عادت أمس، إلى العاصمة تونس مشاهد المسيرات التي عرفتها يوم الجمعة الماضية على خلفية إقصاء بعض الأحزاب من المشاركة في حكومة الائتلاف الوطني. غير أن هذه المسيرات كانت بحدة أقل من سابقاتها، ما دفع بأغلب المواطنين إلى غلق محلاتهم التي فتحت في الصباح الباكر لتموين المواطنين بالسلع الاستهلاكية الضرورية. هذا في وقت راجت أخبار عن تواجد عناصر من الموساد الإسرائيلي ضمن أفراد المليشيات المسلحة التي تقتل التونسيين.
استيقظ سكان العاصمة تونس أمس، على وقع الحاجة الشديدة لتموين عائلاتهم بالمواد الغذائية الأساسية كالحليب والسكر والخبز بعد أربعة أيام من الغلق التام للمحلات التجارية والأسواق اليومية، دفعتنا هذه الوضعية إلى مرافقة العم ''محرز'' مواطن جزائري مقيم في تونس منذ 32 سنة، يقطن بالقرب من ''شارع خير الدين باشا'' بإحدى ضواحي العاصمة تونس. كانت الساعة تشير إلى الثامنة والنصف بعد أن تنقلنا راجلين إلى وسط العاصمة، حيث قيل لنا أن عددا من المحلات التجارية استجابت للنداء الذي وجه أمس عبر القنوات الفضائية، لفتح أبوابها وتزويد المواطنين الذين لم يذق بعضهم الطعام لفترة زادت عن 3 أيام.
خلال مرورنا بالقرب من وسط العاصمة تونس، كان منظر حركة السيارات يبدو عاديا، ولاحظنا انحسار تواجد أفراد الجيش ودباباته في بعض النقاط المحورية.
وصلنا أحد الأزقة التي يعرفها العم ''محرز''، حيث تفاجأت بطابور فيه أكثر من 100 شخص أمام إحدى المخابز، ينتظر كل واحد منهم دوره لشراء 5 قطع خبز فقط لكل واحد دون زيادة، وعند استفسارنا عن سبب تحديد عدد القطع المسموح بها لكل شخص، أجابنا بعض التونسيين أن هذا إجراء من أجل تلبية العدد الكبير من الزبائن، كما أن كمية الفرينة والسميد تكاد تنفد.
نفس المشاهد كانت تتكرر في كل الشوارع التي مررنا بها، شارع الحرية بالقرب من السكة الحديدية وسط المدينة كانت به حركة كثيفة للتزود بالمواد الغذائية، وأغلب من سألتهم ''الخبر'' من المواطنين التونسيين أكدوا على الارتفاع الجنوني للأسعار في ظل قلة العرض وزيادة الطلب على هذه المواد، خاصة منها الحليب والسكر والخبز ومختلف مشتقات العجائن، وارتفعت أسعار هذه المواد للضعف، فالكيس الواحد من ''المعكرونة'' بلغ 4 دنانير تونسية.
مسيرات احتجاجية ضد الأحزاب المشاركة في الحكومة
بعد هذه الجولة في شوارع العاصمة، كان أزيز الطائرة العمودية العسكرية يسيطر على المكان، خاصة في محيط وزارة الداخلية والفندق الدولي ''الهناء''، سارعنا إلى المكان حيث لاحظنا تعزز تواجد قوات الجيش والشرطة في عين المكان، للتصدي للمسيرات التي شنها طلبة جامعيون وحقوقيون للتّنديد بما وصفوه بالإقصاء المفروض ضد بعض الأطراف السياسية والأحزاب المجهرية، التي لم يكن معترفا بها في عهد النظام البائد لبن علي وحاشيته ''الطرابلسية''.
كان الوضع ينذر بالانفجار مرة أخرى في أي لحظه، خاصة أن المشاركين في المسيرات من أنصار الحزب الشيوعي العمالي والإسلاميين من أنصار حركة النهضة الإسلامية، كانوا ينادون بسقوط حكومة تسيير الأعمال قبل أن يتم الإعلان عنها من طرف الوزير الأول الغنوشي رسميا، شعارات معادية لبعض الأحزاب الأخرى حملها مشاركون هذه المرة، لكن ليس ''خبز وما وبن علي لا'' بل شعار ''خبز وماء والتجمع لاّ'' وشعار''لا،لا لحكومة الإقصاء''، بعدها اقتربت من أحد المشاركين لأسأله عن سبب هذه المسيرة، فقال ''لم ننتفض ضد حكومة الإقصاء والدكتاتور، ليأتي لنا إقصاء آخر باسم الديمقراطية''.
تهجم المشاركين على هذه الأحزاب، دفع بنا إلى التنقل إلى مقر حزب حركة التجديد ''الحزب الشيوعي سابقا'' بـ7 شارع الحرية الذي تم الإعلان عن تعيين أمينه العام أحمد إبراهيم، كوزير للتعليم العالي في حكومة الائتلاف الوطني بقيادة الوزير الأول الغنوشي.
كان أول من تحدثنا إليهما من قيادات حركة التجديد ممثلان عن الأمين العام الأستاذان محمود بن رمضان وسليم بن عرفة، اللذان أكدا أن دعم الصحافة الجزائرية سيبقى مذكورا في التاريخ إلى أمد طويل. غير أن الموقف الرسمي للدولة الجزائرية غير مفهوم البتة، كما أنه لا يعكس مواقف الشعب، كما قدما معطيات خطيرة عن تورط الموساد الإسرائيلي في عمليات القتل.
وفي رد على سؤال حول الوضع الحالي في تونس، أوضح القيادي في الحركة محمود بن رمضان أن الإشكالية في تونس الآن هي غياب الأمن الذي لم يستتب بعد، كما أن المليشيات المسلحة وأجزاء من قوات الأمن المحسوبة على ''الطرابلسية'' اصهار بن علي، ساعدت إلى خلق هذا الجو من الرعب والخوف، من أجل إفشال الثورة وإرغام الشعب على المطالبة بعودة بن علي بمساعدة من بعض دول الجوار التي أعلنت رأيها بصورة مكشوفة كليبيا أو تلك التي لم تتبن أي موقف رسمي لحد الآن.
وعن المليشيات المسلحة، قال محدثنا أنه تم التوصل إلى معلومات أكيدة، بأنه زيادة إلى أعوان بن علي من الأمن الرئاسي، فقد توفرت معطيات عن استقدام عناصر مسلحة ومدربة جيدا من إسرائيل، كانت تنتمي من قبل إلى أنطوان لحد في جنوب لبنان، وبعدها فروا إلى إسرائيل حيث انخرطوا في صفوف الموساد الإسرائيلي وفرق الموت الأخرى. وحسب محدثنا دائما أنهم دخلوا إلى تونس قبل سقوط نظام بن علي بهويات وجوازات سفر أوروبية.
وهذه المليشيات والعصابات المسلحة ما زالت تنشط في الميدان. غير أن المقاومة من طرف أفراد الجيش التونسي بالتعاون مع المواطنين واللجان الشعبية يقول محدثنا خطرها بدأ يتناقص، وخير دليل على ذلك حسبه، تم حصر مدة حضر التجول من الساعة السادسة مساء إلى غاية الساعة السادسة صباحا بعدما كانت من الساعة الخامسة مساء إلى السابعة صباحا.
وإضافة إلى هذا، قال سليم بن عرفة عضو الهيئة السياسية بحركة التجديد ''إن صمت الجزائر عن التعبير عن موقف رسمي من إسقاط الشعب التونسي للدكتاتور بن علي غير مفهوم، كما أن خطاب الرئيس الليبي العقيد أمعمر القذافي لا يعقل، مع ما قاله يوسف القرضاوي. فكل هذه تعتبر من التدخلات في أمور تونس الداخلية ومحاولة إثارة البلبلة''.
حكومة الوحدة الوطنية
ستة من وزراء بن علي يحتفظون بمناصبهم
احتفظ ستة من وزراء الحكومة السابقة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بمناصبهم في حكومة الوحدة الوطنية التي أعلن عنها الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي. وأسندت ثلاث وزارات للمرة الأولى إلى ثلاث شخصيات سياسية من المعارضة وثلاث حقائب وزارية لممثلين عن النقابات وباقي الوزراء مستقلون ومن التكنوقراط.
واحتفظ ستة من وزراء بن علي بمناصبهم وهم رضا قريرة وزيرا للدفاع، وكمال مرجان وزير الدفاع السابق كوزير للخارجية، كما احتفظ وزير الداخلية أحمد فريعة الذي عينه الرئيس المخلوع يومين قبل تنحيته من السلطة في منصبه، وأبقي على محمد رضا شلغوم وزيرا للمالية، فيما حازت ثلاث قوى سياسية من المعارضة الراديكالية على ثلاث حقائب وزارية، وهي وزارة التنمية المحلية التي سيشغلها أحمد نجيب الشابي، المرشح السابق للرئاسة، وزعيم الحزب التقدمي الديمقراطي، وعين مصطفى بن جعفر رئيس التكتل الديمقراطي بمنصب وزير الصحة، وأحمد ابراهيم رئيس حزب التجديد بمنصب وزير التعليم العالي، فيما اسندت ثلاث حقائب وزارية إلى ممثلين عن نقابات مهنية، وحاز القيادي في اتحاد الشغل أحمد مبارك على وزارة الفلاحة والبيئة ونقابة المحامين التي عين عميدها السابق الأزهر القروي الشابي وزيرا للعدل.
وعينت المخرجة مفيدة التلاتلي كوزيرة الثقافة والخبير الاقتصادي حسين الديماسي وزيرا للتكوين المهني والتشغيل، وعين الطيب البكوش وزيرا للتربية والعربي الميزوري وزيرا الشؤون الدينية والوزير السابق محمد جغام وزيرا للتجارة والسياحة.
وأعلن الوزير الأول الغنوشي إلغاء وزارة الاتصال المتّهمة بفرض رقابة على حرية الصحافة والتعبير، كما أعلن الاعتراف عاجلا بالأحزاب والمنظمات التي تقدمت بطلب لذلك. كما تقرر تشكيل لجنة عليا للإصلاح السياسي يرأسها عياض بن عاشور، وأخرى لاستقصاء الحقائق في التجاوزات المسجلة في الفترة الأخيرة برئاسة توفيق بودربالة، الرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ولجنة وطنية لاستقصاء الحقائق حول قضايا الفساد والرشوة برئاسة عبد الفتاح عمر. وكذا عن اتخاذ قرار بإطلاق سراح كل المساجين والموقوفين بقضايا الفكر والآراء أو الأنشطة السياسية، ورفع التضييقات عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وتمكين جمعية القضاة التونسيين من النشاط بكامل الحرية والاستقلالية.
وتمسكت أحزاب وفعاليات مدنية تونسية مطالبتها باستبعاد حزب التجمع الدستوري الحاكم وحل البرلمان الحالي وكامل المؤسسات المنبثقة عن نظام حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقال رئيس حزب العمال التونسي المحظور حمّة الهمامي في اتصال مع ''الخبر'' أن حزبه ''لا يعترف بحكومة تمثل التفافا حقيقيا على مكاسب ومنجزات الثورة الشعبية ضد نظام بن علي''، مشيرا إلى أن حزبه ''يرفض التعامل مع من شاركوا في مسار الجرائم ضد التونسيين''.
ويتقاطع هذا الموقف مع موقف رئيس حزب المؤتمر من اجل الجمهورية منصف المرزوقي المنفي في باريس والذي سيعود اليوم إلى تونس. وقال المرزوقي إنه ''لا يثق مطلقا في إمكانية أن تقود رموز الدكتاتورية كالغنوشي والمبزّع انتقالا سلميا للديمقراطية''، معتبرا أن ''وجودهم في السلطة سيتيح لقوى ما وراء الستار الالتفاف على الثورة الشعبية''.
كما أعلنت سهام بن سدرين التي تقود تكتلا للمنظمات المدنية في تونس عن رفضها الحوار مع الغنوشي والمبزع، ودعت إلى حل كامل المؤسسات وتشكيل مجلس تأسيسي يعيد صياغة الدستور من جديد. وقال خليل الزاوية المتحدث باسم الرابطة التونسية لحقوق الإنسان ''إن هؤلاء لا يجب أن يكون لهم أي مهمة في المرحلة الحالية على الأقل احتراما لدماء شهداء الديمقراطية''.
الجزائر: عثمان لحياني