بسبب انعدام الثقة في المجتمع المدني وضعف الأحزاب
" الإشاعة " تنغّص على الجزائريين احتجاجاتهم المشروعة
2011.01.21 عزيز حمدي
كشفت الأحداث الجارية في الجارة تونس عن استئناف مبكر لنفاق جماعي داخل النخبة السياسية في الجزائر، وعمل أطراف منها لإسقاطها على الجزائر، حتى ولو على حساب الانسجام الاجتماعي الهش، بمصطلحات وتعابير تجاوزتها احتجاجات "الزيت والسكر"، وأخرى استقرت على وصفة من مراهم متعفنة ومسكنات منتهية الصلاحية، فخلقت هواجس وترقب وسط سوق من "الإشاعات "من أبرز أهدافها الالتفاف على مطالب اجتماعية مشروعة، عبر عنها الشارع الجزائري بطريقته، لأنه الوحيد من تعود له الكلمة في مثل هذه المناسبات.
تجاوزت الشائعات التي انتشرت في الأيام القليلة حدود المتابعة للأحداث المتتالية في الجوار، فانتشرت في المجتمع انتشار النار في الهشيم، فأقبل عليها وكأنما لسان من يطلقها لا ينطق عن الهوى، غذتها أطراف تقول إنها واحدة من أساسيات المنظومة الحزبية في الجزائر، فكانت المحلات والفضاءات التجارية، قبلة لاقتناء وكنز ما توفر فيها من أساسيات الحياة، نفخت فيه بيانات بعض الجماعات الحزبية حررت في صالونات وأخرى أمليت عباراتها من الضمير الغائب، وتبادل بعضها الأدوار بين الفعل وردة الفعل، غير أن مكعبات النسيج الحزبي المصطنع، يسعى إلى استثمار هذا " الكرنفال " لإعادة التموقع بين شوارع الجزائر، رغم أن احتجاجات " الزيت والسكر " أعلنت الكفر بكل ما له صلة بالخريطة الحزبية، وإن اختلفت مشاربها وتوجهاتها .
في خطوة عبثية حاولت بعض الأطراف سواء تلك التي تقول إنها تنتسب إلى المعارضة أو تلك المحسوبة على السلطة، استغلال احتجاجات مشروعة، لتحقيق أهداف عجزت أجهزتها النضالية عن تحقيقها، فكانت احتجاجات "الزيت والسكر" التي وصفتها دوائر غربية بـ"الانتفاضة الخفيفة " ردة فعل قوية لشباب أعلن رفضه لأي نوع من المزايدة، بمطالب عبر عنها بطريقته، في وقت غابت فيها "الكوادر والأطر الحزبية" وتنظيمات مناسباتية، فكانت "الإشاعة" السبيل الوحيد، لنبش معاناة فئات عريضة من المجتمع، وُصف من طرف كثير من زعماء بعض الأحزاب بأنه "غاشي"، وهي صورة حقيقة ومعبرة عن تواصل الطبقة الحزبية في الجزائر مع قواعدها وبقية مكونات المجتمع .
وتبقى "الإشاعة" سبيلا لكثير من الجيوب الظاهرة والباطنة سلاحا ذا حدين، وقد ينقلب السحر على الساحر، فقد تكون لملء الفراغ والملل الحزبي لكثير من الأطياف في الجزائر وشوق إلى حراك سياسي، كما أنه يمكن أن يكون جهلا وضعفا في الوعي وانعدام الثقة بين فئات المجتمع، غير أن تجربة مراحل ومحطات كثير من التشكيلات الحزبية، كشفت أنها مصالح فئوية لشريحة مازالت تصنع من الإشاعة شعارا لمسارها النضالي، حتى أصبحت مركز قوة وأداة فاعلة في تغيير المسارات والأحداث لكثير من الأشخاص والتنظيمات.
يبقى في الأخير أن سياسة ''الصمت ووضع الأصابع في الأذن'' أبانت أنها فاشلة وغير صالحة في التضييق على أحلام فئات عريضة من الجزائريين، فالاستمرار في التمسك بهذا النهج من شأنه أن يفسح المجال أكثر أمام تحريك الإشاعة بكل ما يحمل تصديقها من مخاطر.