مصادر تونسية تروي لـ"الفجر"
تفاصيل الساعات الأخيرة من حكم الجنرال
أكدت عدة مصادر تونسية لـ"الفجر"، أن موقف الجيش التونسي كان حاسما خلال الليلة التي سبقت فرار بن علي من تونس إلى الخارج. وكشفت ذات المصادر أن بن علي كان يعتقد أن أحداث الشغب والمظاهرات التي عمت كل المدن التونسية سوف يتم التحكم فيها مع مرور الأيام، رغم سقوط الضحايا الأوائل، حينها كان عددهم حوالي 14
وكانت قناعة بن علي بأنه يحتاج فقط إلى المزيد من الوقت ليس لترتيب هروبه هو وعائلته، بل لتدبير لقاء بين قيادات الجيش وعناصر الأمن التابعة لوزارة الداخلية لوضع خطة مشتركة بينهم يتم فيها اقتسام الأدوار، بحيث يخرج الأمن من المناطق الساخنة للعاصمة، وينوب عنه الجيش لتهدئة الأوضاع في تونس العاصمة، والتقليل من عدد الضحايا.
رغم أن مسألة الضحايا لم تكن تزعجه كثيرا، طالما أن العواصم الغربية وخاصة منها الحليفة فرنسا لم تنتقده على الضحايا والعنف الذي مارسته الشرطة على المتظاهرين، بل طلبت منه تقديم تنازلات ظرفية للمعارضة، لحين أن تهدأ الأمور، ويعود زمام القرار بيده.
كل هذه الأحداث دارت خلال الأربع والعشرين ساعة التي سبقت هروبه المفاجئ، والذي لم يكن قد تم التفكير فيه بعد، حتى من أقرب مقربيه، الذين عرضوا عليه إلقاء خطاب آخر يتعهد فيه بالانفتاح على المعارضة، لكن الأمر المستعجل هو وقف التظاهرات بالعاصمة، أما إن استمرت في باقي المدن، فلا بأس.
وبعد جلسة استشارية مع طاقمه الأمني، قرر بن علي، حسب ذات المصادر، استدعاء قائد القوات البرية، رشيد عمار، إلى قصر قرطاج "للتشاور"، وكان قائد القوات البرية، معزولا بثكنات الجيش منذ بداية الأحداث، ولم يتصل به أي أحد، سواء من الرئاسة أو الوزارات الأخرى، لغاية لقائه ببن علي.
وأكدت ذات المصادر أن اللقاء لم يتم بين الرجلين وحدهما، بل بحضور بعض المستشارين، وعناصر الأمن التابع للحرس الرئاسي، حيث باشر بن علي الحديث مع قائد القوات البرية، بقوله: "حان الوقت لتفعلوا أنتم شيئا.. فالبلاد تحترق"، وأن الوضع لم يعد يطاق خاصة بالعاصمة تونس، أمام وسائل الإعلام والسفارات. وأفادت ذات المصادر أن قائد القوات البرية استمع مطولا لبن علي، الذي كانت لهجته شديدة، يلقي باللوم "على الجيش الذي يتفرج على تونس تحترق.."، حينها أخبره قائد القوات البرية أن الوضعية خطيرة جدا، أكثر مما يتصور بن علي والحكومة وأن الزج بالجيش في الوقت الراهن في الشارع في مواجهة المتظاهرين سوف لن يزيد سوى في إسقاط المزيد من الضحايا. وأكد قائد القوات البرية لبن علي أنه "حتى ولو أردنا النزول إلى الشارع بالجيش لمواجهة المظاهرات، فبماذا نواجهها؟ إن تعداد وتجهيزات الجيش بسيطة ومتواضعة ولا تكفي لتحقيق الانتشار المطلوب بـ24 ولاية من تونس"، وبرر قائد القوات البرية موقفه بتعداد القوات القادرة على الانتشار والتي لا تتجاوز في أقصى الحالات 30 ألف جندي، وهو عدد لا يكفي حتى لحماية المنشآت والمؤسسات الرسمية، فما بالك بمواجهة المظاهرات، هذا مع القائد رشيد عمار، متهما إياه بالسلية والتواطؤ، ومهددا إياه بالإقالة والعزل بعد ساعات وتعيين خليفة له، حينها رد القائد رشيد عمار بأن الأمر يتجاوزه وأنه كان مستعدا لتحمل مسؤولياته، لكن في ظروف أخرى.
وافترق الرجلان دون اتخاذ أي قرار، سوى موافقة بن علي على إعلان حالة الطوارئ.
وعقب الحوار الساخن بين بن علي ورشيد عمار، تدخلت شخصيات أخرى من الحكومة، يرجح أنها محمد الغنوشي، واتصلت هاتفيا برشيد عمار، قائد الجيش طالبة منه الاستمرار في عمله وتحمل مسؤولياته بأن يتخذ التدابير اللازمة لإعلان حالة الطوارئ وتأمين طريق المطار الدولي لقطراج، لأن الرئيس سيسافر إلى الخارج للتشاور مع أحد القادة الأوروبيين، على أن يعود بعد أيام. وهو ما تم حيث لم تكن قيادة الجيش تعلم مطلقا، حسب ذات المصادر، ما كان يدور في قصر قرطاج وكان الجميع يعتقد أن بن علي سوف يلتقي بساركوزي في باريس، للتشاور حول الوضعية، وأن قرارات أخرى ستتخذ سواء في غيابه أو عند عودته.
وبعد أن قام الجيش بتنفيذ تعليمات رئيس الحكومة الغنوشي، ثم تأمين طريق المطار، ومحيطه لغاية مغادرة طائرة الرئيس بن علي أجواء تونس، ولغاية وصوله إلى جدة بالمملكة العربية السعودية، لم يكن أحد بالحكومة التونسية أو الجيش قادر على الجزم بأن الرئيس لن يعود أبدا إلى تونس وأنه رحل إلى غير رجعة، حيث كان الجميع ينتظر "التعليمات" من باريس. أما بخصوص الترتيبات التي تمت من طرف محمد الغنوشي، بإعلانه تطبيق المادة 56 من الدستور وتوليه مؤقتا الرئاسة، فأكدت كل المصادر أن هذا الموقف كان تعليمات نيكولا ساركوزي.
نور الدين بوكراع