لم يكن يوم الثاني والعشرين من اكتوبر 2010 يوما عاديا في تاريخ الاعلام العربي والعالمي عندما قام الموقع الشهير والذي اصبح اكثر شهرة بعد ذلك، موقع
ويكيليكس على الانترنت بكشف اكبر تسريب وثائقي في التاريخ من خلال اتاحة اربعمائة الف وثيقة رسمية (391,832 وثيقة بالضبط) من الدوائر الحكومية الامريكية تتعلق بحرب العراق وتفاصيلها وخبايها، او فيما يسمى “سجل الحرب على العراق”
هذا الكشف لم يكن سرا كبيرا بحد ذاته في احداثه وتفاصيله اذ ان اي زائر للعراق ومطلع على احداثه اليومية منذ الاحتلال الهمجي عام 2003 الى اليوم والمعاشر للعراقيين واهل البلاد الذين ذاقوا المر والهوان كان ستبدو امامه هذه المعلومات التي كشفها الويكيليكس قديمة او مآلوفة بداية من فرق الموت والميليشيات الايرانية التي اتخمت سمعي قصصهم وحمامات الدم التي اقاموها هناك خصوصا بالبصرة وبغداد ومنذ سنوات عديدة الى جرائم المالكي وفرق الاغتيالات والاعدامات التابعة له الى مجازر الجيش الامريكي في المدنيين، مجازر الرجل الابيض والكاوبوي القذر الذي مازال يمارس الارهاب الدولي منذ الحرب العالمية والى الان بل منذ وطئت قدماه العالم الجديد قبل قرون, الى ارقام القتلى غير الحقيقية بتاتا، والتي هي اكبر من المعلن عنه رسميا بكثير الى العديد من المعلومات الاخرى التي عايشها العراقي واقعا في يومه وساعاته المختلفة ورآها العالم اليوم على شكل وثائق لا غير!
لكن الاهمية في هذا الكشف تاتي باطلاع العالم اجمع عليه وبتوثيقه رسميا ليغدو وصمة عار على مرتكبيه وابطاله وجزاريه ولتسود اسمائهم جيدا في التاريخ الذي لن ينساهم لا بأجياله الحالية ولا بالأجيال القادمة والتي حينها ستتكشف حقائق أكثر وآكبر من هذه.
كما ان اهمية كشف الوثائق هذه المرة هو في تظافر الويكيليكس كمصدر مسرب لهذه المعلومات مع وسائل الاعلام العالمية الشهيرة ومن بينهم قناة الجزيرة عربيا التي نالت هذا الشرف وخلطت الاوراق بشدة وبخبرتها العريقة في هذه الاحداث الى جانب كل من الجارديان البريطانية ونيويورك تايمز ودير شبيغل،، وغيرهم مما اعطى صدى وضجة وكبرى لهذا الكشف وهذا التزامن في نشر المعلومات على عكس المرة الآولى التي نشرت فيها الويكيليكس شريط فيديو آخر عن قيام مروحية امريكية باستهداف مدنيين وصحفيين عمدا في العراق، وهي بلا شك خطوة ذكية اضفت قوة لهذا الكشف المهم والذي له مابعده.
من الدلالات الأخرى لكشف هذه الوثائق هو التوقيت والذي لا نرى انه محض مصادفة او مفاجأة لكاشفيه ومن كشف لهم، فاوضاع تشكيل الحكومة العراقية وصلت الى طريق مسدود مع تمسك المالكي بها رغم خسارته (يالمفارقة الديموقراطية التي زرعتها امريكا عندنا بكل دموية!!) وهنالك انتخابات كونغرس امريكية على الابواب، كما ان هنالك ضغوطات نفسها على ويكيليكس وتهديدات لها ولمؤسسها، فلا شك ان الهدف الاول هو حرق المالكي وقطع الطريق عليه تماما في تشكيل اي حكومة، وهنا نرى تداخل السياسة في الاعلام بشكل كبير وتعاظم دور الاجندات في كل مؤسسة اعلامية مهما بدت موضوعية او مهنية! لكن هذا هو حال العالم الحقيقي وليس هنالك دولة يوتوبيا بريئة الا في مخيلاتنا واحلامنا!
تداعيات النشر والكشفيبدو هذا موضوعا مبكرا خصوصا ان الحدث لم يمض عليه ايام قليلة لكن بلا له مابعده اقليميا ومحليا واعلاميا ايضا يمكن توقعه في ما يلي:
1- الاسراع في تشكيل الحكومة العراقية وليس عرقلتها اكثر كما يظن والتوافق على مرشح مقبول من كل الاطراف بما فيهم حزب المالكي والذي لن يكون له اي مستقبل سياسي.
2- تسريع خطط القوات الامريكية لمغادرة العراق وتصفية وضعها هناك, كما ستشهد مكانة امريكا العالمية تراجعا سياسيا واقتصاديا وهجوما من اقطاب اخرى كما بدا واضحا من الصين مؤخرا.
3- تصفيات داخل العراق للعديد من الاطراف خصوصا مع كشف هويات حوالي ستين الف عميل عراقي لأمريكا.
4- تقلب في استقرار موقع ويكيليكس نفسه وربما يغلق فترة من الزمن او تظهر مواقع شبيهة له، حيث ستنتشر الفكرة وان لم يكمل هو هذا الدور.
5- بداية ماسنسميه حقبة
“الاعلام مابعد الجديد” حيث نمط اخر من عرض المعلومات ومن التاثير الفعلي على القرار والشبكة وهو ماسنتحدث عنه هنا.
6- تغيير الكثير من الدول لسياستها اما نحو المزيد من الشفافية او نحو المزيد من السرية والتكتم والجدران الحديدية العالية خوفا من ويكيليكس جديد قد يفضحهم، وما صور احد المفاعلات النووية لاسرائيل الذي ظهر فجأة وبشكل رسمي لأول مرة في تاريخها بالامس الا من تداعيات الويكيلكيس الامريكي!
7- لن يعود هنالك اسرار في العالم بعد الان بعد انكماشه الكترونيا وتقارب وسائله وستختفي الستر الحديدية التي لطالما حجبت عنا وعنهم الكثير والكثير، ويكيليكس علامة لها مابعدها وعهد جديد سيدشن في الكشف عن كل ماهو محظور وممنوع.
8- محاكمات محلية وعالمية قد تجري لبعض المتورطين كما بدأت الاخبار تتوارد عن ذلك مما سيساهم في تحقيق العدالة ولو في حدها الأدنى.