أهمية
الكتابة للأطفالعزيزة
الطائيالطفولة في عصرنا الحديث أصبحت مهمة لذاتها ، و تعد مرحلتها أهم مرحلة
في بناء الإنسان. و لم يعد الطفل كائنا في طريقه إلى المراهقة، فكل خبرة من
الخبرات التي يمر بها تتصل به اتصالا وثيقا.
كما يحتاج الأطفال أو المراهقون إلى إصدارات أدبية مختلفة لتغذي جوانب
تفكيرهم و تقوي نواحي الخيال و الإبداع و الحوار و التفكير الناقد فيهم ،
و تشبع حاجاتهم و ميولهم، و توجه اتجاهاتهم و تفكيرهم بما يربطهم
بأصالة ماضيهم و يكيفهم بطبيعة حاضرهم و يؤسس رؤاهم المستقبلية؛
لتكون وسيلة من وسائل التعليم و التثقيف بالتسلية و المشاركة في الخبرة ، و
طريقا لتكوين العواطف السليمة، و تنمية المشاعر الوطنية الصادقة ، و
أسلوبا يقفون به على الحقيقة و يكتشفون مواطن الصواب و الخطأ في المجتمع، و
يتعرفون طريق الخير و الشر في الحياة ، و سبيلا لتوجيه أنواع الخيال و
فنون الكتابة لديهم، ليستشرفون به على عالم باتت المعرفة فيه متجددة، و
التقانة العلمية متسارعة حتى يتحقق التوازن النفسي و الفكري للأطفال في
مراحل نموهم و نضجهم؛ ليواجهوا طبيعة الحياة و ما تفرضه عليهم بيئتهم و
عالمهم. من هنا كان الاهتمام ” بأدب الأطفال ” باعتباره من أقوى الدعامات
في بناء الإنسان، و فتح معالم المعرفة أمامه.
و يأتي دور “أدب الأطفال” بما يحويه من أجناس أدبية ذات المغزى
التثقيفي، و التربوي، و الترفيهي، و الوطني، و الإنساني من: مقالات و قصص و
أشعار و حكايات و مسرحيات و ألغاز و طرف و أخبار و سير في صيغة كتاب أو
مجلة أو شريط مسموع أو مشاهد، حيث يعتبر حقلا هاما لتنمية قدرة الطفل على
الإبداع و الابتكار، و وسيطا تعليميا في الجانب التربوي ، و وسيلة لتنمية
القدرات الذهنية، و عنصرا فاعلا في إذكاء الجانب المعرفي، و عاملا هاما في
استقرار الجوانب النفسية لدى الطفل، و يمكن القول: إنه يتيح للطفل الشعور
بالرضا، و الثقة بالنفس، و حب الحياة، و الطموح للمستقبل، و يؤهله لكي يكون
إنسانا إيجابيا في المجتمع، و قادرا على فهم التطور البشري بأسلوب أفضل،
فيقبل على ألوان الأدب قراءة و سماعا.
إن الإصدارات الأدبية التي تقدم للأطفال و الناشئة من أهم العناصر في
تكوين ثقافتهم، و صقل شخصيتهم في هذه المرحلة ، فالأطفال أثناء نموهم
العقلي يبدؤون في تعرف الحياة على أساس أن خبراتهم الماضية سبيل إلى فهم
أعمق للحاضر ، و من ثم تكون ” إصدارات الأطفال و أدبهم ” أقوى سبيل يعرف
به الأطفال الحياة بأبعادها الماضية و الحاضرة و حتى المستقبلية .
و الكتابة للأطفال ليست كلمات و حروفا مزخرفة، و ليست تعابير إنشائية
منمقة، فالكلمة رسالة و قضية و من ثم فن. فهي رسالة لأنها تحوي مضامين
تربوية و أخلاقية و تثقيفية، و هي قضية لأنها ملتزمة بالمبادئ و المعايير و
القيم و فن لأن للكلمة قدرتها العجيبة على إعادة صياغة الواقع في جو سحري
مشبع بالخيال. فالحياة بالنسبة للصغار قصة طويلة محبوكة على شكل قصص
صغيرة تصغر و تصغر كلما اقتربنا من نقطة المركز، و عندما يغدو الأطفال
كبارا لا ينسون ذلك كله بل يبقى حبيسا في أعماق نفوسهم و ذاكرتهم إلى أن
يأتي الوقت فيعبرون عنه إما بالكلمة أو بالكتابة.
و كما أن الإنسان بحاجة إلى الغذاء و الماء لكي يعيش، فهو بحاجة إلى
الكلمة التي تعطيه معنى الحياة، و لا يكون الطفل صحيح الجسم و البدن
بالتغذية الجيدة فقط، بل هو في حاجة أيضا إلى من يهمس في أذنيه و يغذي
مشاعره بكلمات مؤثرة و جميلة، و يوفر له مجالات المعرفة و التسلية و
الترفيه، فالطفل إنسان صغير لديه الرغبة في معرفة أسرار العالم و رموزه.
و لعل من بالغ الأهمية أن تكون هناك كتابات أدبية متنوعة تتصل بثقافة
الطفل العماني في سبيل تطوير عالم الطفولة عقليا، و مهاريا، و وجدانيا، و
أدبيا، و ترفيهيا، و لن يتأتى ذلك إلا بوسائل الاتصال المتنوعة كالمقال ، و
الخاطرة، و الحوار، و التحقيق الصحفي،و الأسطورة، و القصة، و الشعر، و
المسرح. كل هذه العناصر التي يتشكل منها المفهوم العام للكتابة للطفل
تكاد تكون معدومة في الوسط الثقافي لأننا لا نمتلك صحافة طفلية متخصصة.
و نحن اليوم في عمان نمتلك البنية الأساسية لثقافة الطفل من حيث المنشآت
المادية، كمبنى الإذاعة و التلفزيون، و صالات العروض المدرسية، و بعض
الصالات الثقافية، و المراكز المتخصصة للطفل، و هناك أيضا المؤسسات الرسمية
و الأهلية التي تعنى بثقافة الطفل مثل المنتدى الأدبي، و النادي الثقافي، و
بعض الجمعيات النسائية التي تولي اهتماما خاصا بالطفولة من خلال برامجها ،
إضافة إلى مساهمة الأندية الوطنية فيما تقدمه من أنشطة متنوعة ذات علاقة
مباشرة بتطوير القدرات الإبداعية لدى الأطفال.
و لم تغفل المؤسسات الحكومية المعنية بالطفولة في السلطنة اهتمامها
بتنمية ثقافة الطفل، و رعاية حاجاته في عمان كوزارة التربية و التعليم، و
ما قامت به من دور ريادي في تبني البرامج الداعمة لثقافة الطفل، و لغته
الأم كالقراءة الاثرائية، و الكتب الداعمة للمنهاج ، و اكتشفوا متعة
القراءة، و رعاية تطوير الأداء اللغوي للطفل في الحلقتين الأولى و الثانية
من التعليم الأساسي ، و لوزارة التنمية الاجتماعية جهودا ملموسة كإقامة
المهرجانات لتنمية القدرات العلمية و الإبداعية للأطفال، و تفعيل دور
الأندية الصيفية و دعمها، و تنظيم العديد من الملتقيات للأطفال من مختلف
المناطق، و تنفيذ البرامج التوعوية حول حقوق الطفل.
كما أن لوزارة الإعلام بالغ الأثر في ترجمة احتياجات الأطفال من خلال
البرامج المرئية و المسموعة، و العروض المسرحية، و الملاحق في الصحف
المحلية، و لا نغفل الجهد المبذول من قبل وزارة التراث و الثقافة و
المحاولة الجادة لها في إصدار مجلة قناديل التي صدر منها عددان فقط، إضافة
إلى الملاحق في العديد من المجلات التي تصدر عن عدد من المؤسسات الحكومية
كملحق الشرطي الصغير في مجلة العين الساهرة التي تصدرها شرطة عمان
السلطانية، و ملحق أحباب البيئة مع مجلة الإنسان و البيئة التي تصدرها
وزارة البلديات الإقليمية و البيئة و موارد المياه، و ملحق أحباب المسجد في
مجلة رسالة المسجد الصادرة عن وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية؛ إلا أن هذه
الملاحق الموجودة في صحافتنا المحلية لا نستطيع أن نطلق عليها بأنها صحف
تعنى بثقافة الطفل، حتى و إن تضمنت بعض الفقرات الخاصة باهتماماته، فهي
بعيدة جدا عما نعنيه بصحافة الطفل من حيث الشكل و المضمون و المحتوى و
طريقة الإخراج. فالصحف و المجلات المحلية معدة أساسا للكبار و قلما يلتفت
إليها الصغار كما أنها ليست بالوسيلة الناجعة لجذب اهتمام الطفل بالمفهوم
الذي نرمي إليه.
إن الكتابة للصغار عمل شاق لأنه ليس هناك مجال للمداهنات و المجاملات.
فالأطفال يستغنون في قراءتهم عن الكثير، و الذي يجذبهم هو الأسلوب و القالب
الذي كتبت به القصة أو العمل الأدبي ضمن عالمهم الخاص بهم.
إن الأمر الذي يعاني منه قطاع الطفولة في عمان هو غياب التنسيق العام
بين الجهات التي تعمل في مجال الطفولة، و الجهود الصغيرة مهما نضجت و تميزت
فإنها تضيع و تتبعثر وسط الكم الكبير من الأنشطة.
فمن الضرورة بمكان بناء إستراتيجية واضحة المعالم، تحدد طبيعة الأهداف
و الإمكانات المطلوب انجازها في كل مرحلة على حدة، و تقضي على مسألة
الازدواجية و التداخلات التي تضر بمستوى البرامج و الأنشطة المعمول بها.