رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه؛ وبعد..
بينما يلف الصمت العالم العربي والإسلامي ارتفعت أصوات في أوروبا تنادي بإنهاء هذا الحصار الظالم الغاشم المفروض منذ سنتين على الشعب الفلسطيني في غزة، والمفروض منذ ستين عامًا على الشعب الفلسطيني كله في أرض فلسطين.
وبينما تقوم أجهزة الأمن العربية بمنع القوافل الشعبية الهادفة إلى التذكير بمعاناة شعب فلسطين والرامية إلى كسر الحصار المنافي لكل القيم الإنسانية؛ نرى ونشاهد تواصل وصول قوافل الإغاثة من أوروبا على متن السفن المنطلقة من قبرص إلى غزة.
وبينما أعلنت المفوضية الدولية لحقوق الإنسان أن الحصار الظالم على غزة يتنافى مع قواعد القانون الدولي، ومن قبل ذلك اتخذت الجامعة العربية قرارًا برفع الحصار عن غزة وشعبها الذي يموت موتًا بطيئًا؛ لا نرى لهذه الإعلانات ولا القرارات أثرًا على الأرض، فتغرق غزة في الظلام، ويموت الأطفال لنقص الدواء والعلاج، ويستمر إغلاق معبر رفح بذرائع واهية؛ مما فاقم المأساة الإنسانية الكارثية، وأجَّج مشاعر الغضب والسخط داخل نفوس الصامدين في غزة؛ الذين باتوا يوقنون أن العالم كله.. عربه وعجمه.. مسلمين وغير مسلمين، يشاركون في إحكام الحصار بغية إخضاعهم وإذلالهم بسبب اختيارهم الحر في انتخابات حرة، ودعمهم المتواصل لنهج المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني العنصري الإحلالي لأرض فلسطين.
إن هذا الحصار الظالم يتناقض مع العهد الدولي لحقوق الإنسان ولأحكام الشرعية الدولية ولمعاهدة جنيف الرابعة، ويُعد- وفقًا للقانون الإنساني الدولي- جريمة حرب وجريمةً ضد الإنسانية؛ مما يعرِّض كل المشاركين فيه ولو بعد حين إلى المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية التي تحرَّك المدعي العام بها في حماسة ضد رئيس السودان في أزمة دارفور، بينما لم يحرِّك ساكنًا أمام جريمة تنقلها شاشات التلفاز صباح مساء بإبادة مليون ونصف المليون إنسان في غزة!!.
إن من أخطر الأمور أن يترسَّخ في ذهن المواطن العربي أن حكومات بلاده وجيوشها وقواتها الأمنية تسهم في إحكام الحصار، وتشارك في قتل الفلسطينيين قتلاً بطيئًا، وعندما يجتمع ممثلون للحكومات العربية في أنابوليس ثم في مؤتمر نيويورك لحوار الأديان ولا يُسمَع العالم كلمة واحدة ضد الاحتلال الصهيوني وضد الحصار الغاشم؛ فلا يلومن هؤلاء إلا أنفسهم عندما ينفجر بركان الغضب الكامن في الصدور والنفوس ضد الجميع.
إن مصر تتحمَّل العبء الأكبر في رفْع الحصار؛ لأن أمنها الوطني والقومي يتطلَّب التصدي للعدو الصهيوني، ولن يستقر هذا الأمن طالما بقي الاحتلال الصهيوني لفلسطين قائمًا.. لطالما ضحَّت مصر في سبيل حرية فلسطين وتأمينها ضد كل صور الاحتلال على مدار التاريخ؛ منذ عصور الفراعنة ضد الحيثيين والهكسوس، وفي العصور الوسطى ضد جيوش الفرنجة والإمارات الصليبية وضد التتار الذين وصلوا إلى مصر؛ غير أن النظام المصري اليوم يتقاعس عن نصرة شعب أعزل، صابر وصامد؛ لذرائع واهية لا تصمد أمام الحجة والبرهان.
إن التذرُّع بالمعاهدات الدولية لاستمرار إغلاق معبر رفح، والتصدي للحملة الشعبية لرفع الحصار، وتصدير الغاز للعدو الصهيوني بينما تغرق غزة في الظلام، وتحدي أحكام القضاء الإداري التي أدانت كل تلك السياسات والقرارات الظالمة.. كل ذلك يثير السخط والغضب الشديد؛ ليس في مصر فقط بل في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي؛ الذي يتطلع إلى قيام مصر الرسمية والشعبية بدورها التاريخي اللائق بها.
ما المطلوب من مصر؟
1- فتح معبر رفح بصورة طبيعية، وممارسة مصر سيادتها الكاملة عليه؛ بالتنسيق مع الجانب الفلسطيني دون أي تدخل من الكيان الصهيوني أو أي أطراف أخرى، ويمكِّن الفلسطينيين والمصريين من العبور الآمن؛ وفقًا للإجراءات الأمنية والجمركية الطبيعية.
2- تمكين قوافل الإغاثة المصرية والعربية والدولية من القيام بمهامها في نجدة أهل فلسطين، وتشجيع الجهود الشعبية الشرعية لرفع الحصار وإنهاء الاحتلال.
3- العمل على مد قطاع غزة بالوقود والكهرباء؛ وفقًا لاتفاقيات تجارية يتم توقيعها مع الشركات المسئولة، وإلزام العدو الصهيوني (قوة الاحتلال) بالوفاء بالتزاماتها وفق معاهدة جنيف الرابعة؛ وذلك بمقاضاتها في المحافل الدولية.
4- السماح للقوى الوطنية والشعبية بالتعبير عن موقفها ورأيها في مؤتمرات ومظاهرات احتجاجية سلمية؛ بما يعبر عن روح مصر الشعبية ووزنها الحقيقي في عالمها العربي والإسلامي، وبما يؤدي إلى التوازن مع الضغوط التي يمارسها الحلف الصهيوني الأمريكي.
5- وقف الحملة الإعلامية التحريضية الظالمة الموجَّهة ضد الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة، خاصةً (حماس)، وتأكيد الوحدة العضوية بين الشعبين المصري والفلسطيني.
6- السعي إلى بناء تحالف عربي وإسلامي دولي للدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة وكسر الحصار الظالم، عبْر آليات القانون الدولي في المحافل الدولية كافة.
|
أطفال غزة يستنجدون لإنقاذهم من الموت بسبب الحصار |
إننا نطالب الزعماء العرب والمسلمين باتخاذ الخطوات التالية:
1- الالتزام التام بقرار الجامعة العربية برفع الحصار الظالم عن غزة.
2- تقديم الدعم الكامل الإنساني على كافة الأصعدة للشعب الفلسطيني الصامد في القدس والضفة الغربية وغزة.
3- أن تقوم منظمة المؤتمر الإسلامي بتبنِّي قضية الشعب الفلسطيني، وتعمل على مشاورات عاجلة يقوم بها الأمين العام- على كافة الزعماء العرب والمسلمين- للاتفاق على نهج جديد إزاء القضية الفلسطينية.
4- تبني حوار مصالحة ومصارحة بين الفصائل الفلسطينية كافةً، وخاصةً الفصيلين الرئيسيين.
5- إن هذا الحصار الغاشم يستهدف في المقام الأول إنهاء مشروع المقاومة الذي نجح في إزعاج العدو الصهيوني، ويهدف أيضًا إلى زرع الشقاق والخلاف بين الفلسطينيين، وزرع اليأس في نفوسهم، وفي مواجهة ذلك يجب علينا تأكيد أن الحق في المقاومة حق شرعي ووطني وإنساني يتفق مع القانون الدولي، وأن المقاومة بكافة صورها وأشكالها هي الخيار الوحيد في مواجهة الصلف الأمريكي الصهيوني.
6- لقد انتهت موجة الحرب على الإرهاب بفشل ذريع على كافة الجبهات، وهي اليوم تلفظ أنفاسها قبل الأخيرة.
لقد نجحت إدارة بوش في الضغط على الحكام العرب والمسلمين ومحاولة ابتزازهم والحيلولة؛ دون أن يكون لهم دور إيجابي وفعَّال في خدمة القضية الفلسطينية، ودون أن يقوموا بما يفرضه عليهم واجبهم الأخلاقي والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وضد حصار الجوع والموت والمأساة الكارثية التي يتعرَّض لها.
نحن اليوم على مفترق طرق، وعلينا أن نستعيد الوعي، وأن نعزِّز الأوراق، ونحدِّد العدو الحقيقي الذي يستهدف أمتنا ومصالحنا، ويهدِّد بالعدوان المستمر على أمتنا، وهو العدو الصهيوني الذي تدعمه أمريكا وأوروبا.
أيها العرب والمسلمون..
أيها الأحرار في العالم أجمع..
أيها الناس أجمعون..
* اكسروا هذا الحصار الغاشم الظالم.
* انضموا إلى القوافل الحرة التي انطلقت من قبرص لدعم صمود أهل غزة الصامدين.
* انطلقوا في مظاهرات سلمية تندِّد بالصمت العربي والإسلامي والدولي.
* نظِّموا قوافل بحرية وبرية، حقيقية ورمزية، لكسر الحصار عن غزة.
* تبرعوا بنسبة ثابتة من دخولكم الشهرية لمنظمات الإغاثة الإنسانية في العالم كله؛ لدعم صمود أهل القدس وغزة والضفة.
* ارفعوا أصواتكم من على منابر المساجد والكنائس والمدارس والجامعات ومعاهد العلم.
* ارفعوا أعلام فلسطين في شرفات المنازل، والصقوا صور المسجد الأقصى في كل مكان.
* تصدُّوا للأقلام التي توهن العزائم وتشكِّك في المقاومة وتصطف إلى جانب العدو بالحكمة والجدال بالحسنى والموضوعية اللائقة للردِّ على حججهم الضعيفة والباطلة..
هذا الحصار يجب أن ينتهي اليوم قبل غد، وكلنا مسئولون بين يدي الله تعالى عن قتل شعب بأكمله وتخاذلنا عن نصرته.. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية40)، والله أكبر ولله الحمد.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.