المحرقة النازية حرام.. هولوكوست غزة حلال!!
محمد جمال عرفة
لم يكن تهديد نائب وزير الحرب الإسرائيلي ماتان فيلنائي للفلسطينيين بـ"محرقة أكبر" في غزة، في إشارة إلى المحرقة المنسوبة للنازيين ضد اليهود في أعقاب الحرب العالمية الثانية، زلّة لسان، فهذه هي العقيدة "الصهيونية" تجاه "الأغيار" -أي غير اليهود- وكم من مرة صدرت، ليست فقط تصريحات من القادة الصهاينة بإبادة وقتل الفلسطينيين، وإنما "فتاوى" دينية متعددة من الحاخامات ورجال الدين بجواز قتل الأطفال والنساء قبل الشباب والرجال!.
ألم يدعُ مجلس الحاخامات في الضفة الغربية المحتلة، الحكومة الإسرائيلية في يوليو 2006 إلى إصدار أوامرها لقتل المدنيين في لبنان وغزة، مشيرًا إلى أن " التوراة" تجيز قتل الأطفال والنساء في زمن الحرب!، وطالب في بيان أذاعه التلفزيون الإسرائيلي الحكومة بأن تأمر بقتل المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين بصفتهم "موالين للعدو"، وذلك "بحسب ما تنص عليه التوراة".
إن كتاب (الديانة اليهودية وتاريخ اليهود) لمؤلفه "إسرائيل شاحاك"، في عرضه لأهم مبادئ اليهودية، وما نصّت عليه الهلاخاه (الشريعة) تجاه الشعوب الأخرى ( الأغيار أو الغوييم)، يوضح لنا الإستراتيجية الإسرائيلية في فلسطين والمنطقة، فهم يعتبرون أن قتل غير اليهودي حلال لا عقوبة عليه، وسبق لحاخامات المستوطنات أن أصدورا فتاوى دينية متطرفة تبيح ليس فقط قتل المقاوم الفلسطيني وإنما الأم والطفل قبل الكبير؛ بحجة أنه يحارب اليهودي في أرضه المسروقة من الفلسطيني!.
ولذلك لم يكن مستغربًا أبدًا أن يقتل الصهاينة قرابة 65 فلسطينيًّا ثلثهم من الأطفال في أربعة أيام، وأن يهددوا بمحرقة أكبر؛ لأن هذه هي عقيدتهم وسياساتهم.. هل نسينا أن الدولة الصهيونية ما هي إلا عصابات أوروبية جاءت لفلسطين للنهب والسلب وسرقة أراضي الأبرياء وقتلهم ودفنهم في إبادة جماعية.. ألم يقتلوا الجنود المصريين العزل في الحروب السابقة ويدفنوهم أحياء في مقابر جماعية بدأ بعضها يظهر بالصدفة في سيناء خلال حفر أساسات بعض الأبنية؟!.. لماذا الاستغراب إذن؟.
ربما يأتي الاستغراب من رد الفعل العربي والإسلامي الصامت أو العاجز أو المتواطئ، وربما يزداد الاستغراب أكثر حينما نرى أمريكا والعالم الغربي الذي ينتفض كلما ذكرت كلمة "معاداة السامية" أو "الهولوكوست" والذي سعى لسنّ قانون في الأمم المتحدة لمناهضة السامية وتكذيب الهولوكوست، تعمى أبصاره وأفئدته وهو يشاهد طائرات حربية أمريكية ثقيلة وظيفتها حروب الصحراء، والجيوش الضخمة تنقض على منازل بسيطة مبنية من الحجارة لتقتل أبرياء وأطفالاً رضّع في عمر الزهور.
عدد الشهداء الذين ارتقوا للسماء يشكون ظلم محرقة الصهاينة ومحرقة الغرب ومحرقة الأنظمة العربية المتواطئة في غزة، بلغ 6225 منذ اندلاع الانتفاضة في نهاية سبتمبر 2000، معظمهم من الفلسطينيين، ومقابل جندي إسرائيلي قتل في عسقلان بصاروخ قسام، قتلت طائرات ومدافع ودبابات تل أبيب 65 فلسطينيًّا والعدد يتضاعف يومًا بعد يوم.
إن تصريحات القادة العسكريين والدينيين والسياسيين الإسرائيليين ضد العرب والمسلمين أو الأغيار ملازمة للفكر اليهودي منذ أقدم العصور، وفي اللغة العبرية أكثر من ستة ألفاظ أو مفاهيم لتحديد معنى "الغير" بأنه مجرد خادم وعبد، ودمه مستحل لدى اليهود!.
وأساتذة اللغة العبرية في الجامعات المصرية يؤكدون أن الفكر الديني الذي يحكم يهود إسرائيل اليوم هو الفكر المستمد من (التلمود)؛ وهو كتاب موضوع على يد بعض حاخامات اليهود في القرون الميلادية الأولى، وملِيء بالعنصرية والحض على كراهية الأمم غير اليهودية، حتى إنه يدعو صراحة إلى استحلال دماء وأموال ونساء تلك الأمم، أما العهد القديم، أو التوراة، فلا وجود له في الثقافة اليهودية المعاصرة.
فتاوى إباحة المحرقة
ولو أحصينا فتاوى إباحة المحرقة من قبل الصهاينة لغيرهم من "الأغيار" أو الغويم" للتدليل على أن "محرقة غزة" ليست زلّة لسان، فلن يكفي المجال، ولكن هذه بعض النماذج كي لا ننسى:
- في مارس 2001 خصصت صحيفة هاآرتس عدة تحقيقات أعدها الصحافي اليهودي يوسف الجازي، بنى فيها كل تحقيقاته على أساس واحد، هو أن المسلمين يستحقون القتل؛ لأنهم حرّفوا كتبهم الدينية ووصايا رسولهم والذي أوصاهم فيها بأن اليهود هم أسياد البشر وهم شعب الله المختار!، وقد حصل هذا الصحفي على جائزة إسرائيلية خاصة؛ بسبب تلك السلسلة من التحقيقات وأرسل له عوفاديا يوسف الحاخام اليهودي المعروف بعدائه الشديد للعرب والمسلمين بتعقيب على تلك التحقيقات جاء فيه: "إن الله ندم ندمًا شديدًا بعدما خلق العرب المسلمين، وتمنى لو أنه لم يخلقهم؛ ولهذا فإن القضاء عليهم أمر يسرُّ الرب"!.
- وفي يونيو 2001 نشرت هاآرتس نص فتوى أعدّها الحاخام اليهودي "أوري ميتسجر" جاء فيها أن "السلطات الإسرائيلية يجب أن تبذل قصارى جهدها من أجل القضاء على خصوبة العرب المسلمين في فلسطين، حتى يتوقف النسل الإسلامي تمامًا، وتصبح فلسطين خالصة لليهود وبعدها من الممكن التفكير في حلم إقامة الهيكل وإسرائيل الكاملة".
- وفي شهر مارس من عام 2002 كشف الصحافي "الإسرائيلي" آموتيه آلون النقاب عن وجود فتوى خاصة وقع عليها المجلس الأعلى للحاخامات في مؤتمرهم السنوي بمدينة هرتزليا، وتقضي بإباحة دم كل العرب، خاصة من يقيم منهم على أرض فلسطين، وأن الجندي الإسرائيلي يحق له استباحة دم العربي وطعامه ونسائه ومنزله حتى لو رفضت القيادة العسكرية الإسرائيلية ذلك الأمر!.
ويوم 26/6/2003 نشرت الصحف العبرية الثلاث الكبرى معاريف ويديعوت أحرونوت وهاآرتس فتوى للحاخام ديف ليئور حظر فيها على اليهودي التبرع بدمه لغير اليهودي؛ لأن غير اليهودي "دمه نجس"، والمثير للدهشة أنه أباح لليهودي الحصول على دم غير اليهودي ولو بالقوة للاستفادة منه في الأغراض الطبية المختلفة!.
وفي أغسطس 2004 أفتى الحاخام المتطرف عوفاديا يوسف في خطبة بثتها الفضائيات الإسرائيلية بأن اليهودي عندما يقتل مسلمًا فكأنما قتل ثعبانًا أو دودة ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاًّ من الثعبان أو الدودة خطر على البشر؛ لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث"!.
وعندما أثارت هذه الفتوى العنصرية جدلاً إعلاميًّا، طلب عوفاديا يوسف أن يظهر على القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي وأعاد كلامه بالحرف الواحد مع تأصيله من وجهة النظر اليهودية، زاعمًا أن الدين اليهودي يحث على التخلص من كل من يسكن فلسطين، وأنه جاء في التلمود: "إذا دخلت المدينة وملكتها فاحرص على أن تجعل نساءها سبايا لك ورجالها عبيدًا لك أو قتلى مع أطفالهم"!!.
- وفي يناير 2005 أصدر الحاخام اليهودي مردخاي إلياهو فتوى دينية تدعو صراحة لإبادة الشعب الفلسطيني وهدم المقدسات الإسلامية؛ لأن هذا أمر إلهي لليهود وكل من اتبع دين موسى، وزعم أنها ليست فتوى دينية، ولكنها فريضة إلهية وعلى كل يهودي من يهود العالم أن يعمل على تنفيذها، وبعد صدور هذه الفتوى بأسبوع واحد أصدر الحاخام اليهودي الأكبر لمنطقة الشمال الإسرائيلي، ديف ليئور فتوى أباح فيها لليهود تسميم دواب وماشية الفلسطينيين، بالإضافة إلى إمكانية سرقة المحاصيل الزراعية الخاصة بالمزارعين الفلسطينيين، ودلّل على ذلك بعشرات الأدلة التلمودية التي تبيح لليهودي دم ومال وعرض غير اليهودي، ومنذ صدور الفتوى وهم يحرقون المزروعات الفلسطينية ويسرقونها!.
- في السابع من سبتمبر 2005 وجه المجلس الأعلى للحاخامات اليهود فتوى إلى كل اليهود بشكل عام ورئيس الوزراء آنذاك (شارون) بشكل خاص أكدوا فيها أن استهداف الأطفال والنساء والشيوخ العرب والمسلمين أمر حلال تمامًا لليهود؛ لأن الحرب على الإسلام والمسلمين حرب قومية يهودية ضد قومية إسلامية، ومن ينتصر هو الذي سيسود في مثل هذه الحروب.
حفل المحرقة.. أين محارق العرب؟!
وفي كل عام تحتفل منظمة الأمم المتحدة بذكرى "تحرير" اليهود من معسكرات الاعتقال النازية، ويتخذ الاحتفال شكل اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر يناير من كل عام، يتحدث فيه وزراء خارجية عدد من دول العالم من بينها دول عربية وإسلامية.. والهدف هو لفت انتباه البشرية إلى مخاطر القتل الجماعي لليهود على يد النازيين، واستعادة ذكرى تحرير معسكر "أوشفيتز" الذي يعتبر تاريخيًّا أكبر معسكر للقتل الجماعي في عهد ألمانيا النازية.
ومع أن العالم احتفل لتوِّه بذكرى هذه المحرقة النازية، فلم يحرك أحد ساكنًا للمحارق الصهيونية المتوالية للشعب الفلسطيني واللبناني مثل قانا وصبرا وشاتيلا وغزة وأخواتها.. ولا أحد فكّر يومًا في الاحتفال بذكرى هذه المحارق الصهيونية.. فمحارق النازية حرام أما محارق الصهاينة فهي حلال وتجوز شرعًا في عرف العالم المتحضر الذي تسيطر عليه أمريكا واللوبي الصهيوني!.
لماذا لا تحتفل الأمم المتحدة بذكرى مذبحة دير ياسين مثلاً، القرية الفلسطينية التي جرى ذبح معظم أهلها بدم بارد على أيدي عصابة يهودية تحت قيادة مناحيم بيجين الذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء الدولة الإسرائيلية، أو مذبحة "شكيد" للأسرى المصريين في حرب 67 التي تباهى بها وزراء صهاينة حاليون؟.
لن نتحدث عما رواه مؤرخون أوروبيون وأمريكيون عن التشكيك في محارق النازية وما جرى في معسكر "أوشفيتز"؛ لأن الترويج اليهودي لها جعل هذا أمرًا لا يجوز الطعن به، ولكن: أليست محارق الصهاينة للفلسطينيين والعرب أمرًا واقعًا وموثقًا بالصورة؟ ألا يرى العالم الغربي تحت أصابع قدميه كل هذا، أم أن كراهيتهم الدينية العنصرية -كما الصهاينة- للمسلمين والرغبة في قتلهم وذبحهم أمر مشروع؟!.
مناهج دينية عنصرية
كل ما فعله نائب وزير "الحرب" الإسرائيلي بحديثه عن "محرقة غزة" هو أنه عبَّر عما في صدورهم من غلّ وحقد ورعب أيضًا من صواريخ المقاومة البسيطة، وكل ما صرح به عن "محرقة غزة" ليس سوى تعبير عما يفعلونه عن قناعة دينية، وهم يفعلون هذا في وقت يطالبون العرب بتغيير مناهجهم الدراسية والخطاب الديني الإسلامي، في حين لم يجرؤ أحد على مطالبتهم بتغيير الخطاب الديني الصهيوني، مع أن كتبهم الدراسية تحثهم على استغلال التعليم في زرع بذور التطرف لدى النشء اليهودي، ولم يجرؤ أحد على مطالبتهم بتغيير مناهجهم الدراسية أسوة على الأقل بما يطالبوننا به.
وهناك دراسة للخبيرة التربوية المصرية "صفا عبد العال" عن "تربية العنصرية في المناهج الإسرائيلية"، توضح -على سبيل المثال- كيف يزرع الصهاينة جذور هذه العنصرية في أطفالهم، وكيف يعلمونهم الكراهية والحقد والعنف والحرب ضد غيرهم من اليهود، وكيف يزيفون حقائق التاريخ، من خلال عرض مباشر للنصوص العبرية التي يجري تعليمها للطلبة اليهود، في ستة عشر كتابًا دراسيًّا من الصف الثالث إلى السادس الابتدائي.
فبعد تحليل مضمون 16 كتابًا مقررًا على التلاميذ في الدولة العبرية، كشفت الباحثة المصرية أن مناهج التعليم هناك تهدف إلى تعبئة النشء نفسيًّا في اتجاه الحرب والقتل، كما تكرّس ما اعتبرته "عنصرية" ضد العرب، وقالت إن هذه الكتب تزرع في نفوس التلاميذ "الرغبة في الحرب كوسيلة وحيدة لا مفر منها للدفاع عن حقوق يرونها مشروعة وتاريخية".
ومن خلال تحليل هذه الكتب تبين للباحثة أن "من بين الأهداف الرئيسية لنظام التعليم في إسرائيل السعي إلى ترسيخ عناصر الكراهية والحقد في وجدان النشء، وتنمية روح العداء للعرب أولاً و(الأغيار) أي غير اليهود ثانيًا، وتشويه صورتهم لدى الجيل الحالي والأجيال التالية".
وقالت إن هذه الكتب تعمد إلى تشويه الشخصية العربية وتصف العرب بصفات قالت إنها وضيعة مثل "بيت الزواحف العربية" و"العرب اللصوص" و"المختلسون والأنذال المتعطشون للدماء اليهودية" و"العرب البدو المتخلفون" و"العرب عابرو السبيل وقطاع الطرق"، كما أن العرب يوصمون دائمًا بصفات مثل القتلة واللصوص!!.
المؤامرة أكبر مما يتصور.. فهناك عدو يحارب بعقيدة فاسدة وفتاوى من حاخاماته تجيز قتل المسلمين وأطفالهم، وهناك حكومات عربية وأجنبية تتواطأ بالصمت لمجرد أن ترى حماس خارج السلطة رغم أن الجميع يعترف بأن كل يوم يمر في غزة يزيد حماس شعبية، ورغم أن القضية أصلاً لا يجب أن نحصرها في حماس.
ردود الأفعال العربية الرسمية كئيبة لا تستحق التعليق؛ لأن الكثير من النظم -باعتراف الكتاب الإسرائيليين- باع حماس وغزة لتل أبيب؛ كي تؤدبهم على رفضهم نصائح "التهدئة".. ولا تبقى سوى تعاليم الحاخامات المتطرفين والتلمود لتقود الصراع وتشعل "محرقة" جديدة في غزة!.
--------------------------------------------------------------------------------
المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1203757632169&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout