الحمد لله حمد الشاكرين ، وصلى الله وسلم على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، وعلى الأئمة المجتهدين والعلماء المجاهدين ، الذين أعلوا كلمة الحق باجتهادهم وجهادهم إلى يوم الدين ... أما بعد :
فنحن في زمن التبست فيه المناهج ، واختلطت السبل ، وتعددت المفاهيم ؛ وذلك تبعاً لاختلاف الثقافات المتباينة ، وتعدد التصورات المختلفة والبيئات المتناقضة . وقد استحكم هذا الالتباس حتى أصبح للإسلام الواحد الذي أنزله الله – عز وجل – وجاء به محمد صلى الله عليه وسلم صور متعددة ، تقترب منه حيناً وتبتعد أحياناً . وإن كثيراً من المسلمين أطلقوا على هذا الإسلام نعوتاً ، ورسموا له حدوداً من عند أنفسهم ، لم يأت بها القرآن الكريم ، ولم تدل عليها السنة المشرفة . فمن الناس من لا يرى الإسلام شيئاً غير العبادات الشكلية الظاهرة ؛ فإن أداها حَسِبَ أنه قد وصل إلى لبِّ الإسلام وحقيقته . ومن الناس من لايرى الإسلام إلا فلسفة فكرية جدلية ، يتلهى بها العقل دون أن تظهر آثارها في الواقع العملي ومن الناس من لا يرى الإسلام إلى الخلق الرفيع ، والآداب الفاضلة ، والروحانية الفياضة ، والعاطفية الجياشة .. إلخ غير ذلك من الصور المتعددة في تصورات الناس عن الإسلام .
فكل جماعة من هؤلاء قد تمسكت بجانب من الإسلام ، وأوغلت فيه ، وحمدت عليه ، ومجدت أهمية الجوانب الأخرى التي يتمسك بها غيرها من الجماعات ، فنحن أبداً بين إفراط وتفريط .
أما الإسلام الكامل الشامل الوسط ، البعيد عن طرفي قصد الأمور ، الذي لا يميل إلى الإفراط كما لا يميل إلى التفريط ، فهو هذا الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وسلفه الصالح ، وهو وحده الحق الذي يجب أن يتبع .
ومن هنا تبرز الحاجة إلى نشر وعرض سيرة السلف الصالح من هذه الأمة ، الذين أجمعت الأمة على إمامتهم وجلالتهم ، فمن خلال سيرتهم الكريمة يظهر الفارق البعيد بين إسلامهم وإسلام العصر الحاضر ، ويبدوا واضحاً ماذا ينبغي أن يكون عليه المسلم ، وكيف يجب أن يكون سلوكه فعرض سير السلف نور يضيئ ، ومشعل يهدي حتى لا يسير المسلم بعينين مغمضتين في عالم يعج بالتيارات المتناحرة ، وحتى لا يسير في وحلِّ ، قد تزل فيها قدمه فيسقط إلى الحضيض ، ليتصل حاضر الأمة بماضيها ، وليطلع عليها الشباب المثقف ، ليرى من خلال تلك السير عظمة أؤلئك الرجال الذين بنوا مجد الإسلام في هذه الأيام ، ثم بعد ذلك لتظهر روعة هذا الإسلام العيم ولن تظهر روعته واضحة جليِّة إلا إذا رأيناه مترجماً في حياة رجاله إنتماءًا وولاءًا ، وعقيدة وعبادةً ، ودعوةً وجهاداً ، وثقافةً وأخلاقاً .
وعند ما يرى المسلم ذلك كله في حياة السلف رضي الله عنهم ، ويقارن ذلك بحياة الذين جاؤوا بعدهم ، يدرك سر انتشار الإسلام وانتصاره على أيدي أولئك . وسرّ انكماش الإسلام وانحساره على أيدي من بعدهم ويدرك كذلك صدق القائل عندما يقول عن الإسلام : ياله من دين لو أن له رجالاً !! .
وبعد المقارنة ، وعندما يدرك الفارق الكبير بين رجال ورجال ، بين رجال السلف ورجال القرن الرابع عشر سيشهد مع الشاعر قوله :
لا تعرضنّ بذكرنا مع ذكرهم *** ليس الصحيح إذا مشى كالمُقعَدِ
ولقد برهن هذا الإسلام العظيم بما تزاحم في تاريخه الطويل من أبطال ورجال على جدارته الفذة في تقديم النماذج الصالحة للقدوة ، وهم كثرة كثرة. أشرق بهم تاريخ الإسلام وازدانت بهم عصوره ، ولا يحتاج الإنسان لشيء سوى أن يفتح عينيه ، ويقرأ ماحفظه التاريخ عن الأمة العظام في العلم والتقى والزهد والورع ، و ... و ... الخ .
وإن أمامنا العظيم عروة بن الزبير – رحمه الله – أحدُ من هؤلاء الذين جمعوا تلك المحامد ، بحيث يحس المسلم وهو يقرأ سيرته كيف ينبغي أن تكون عليه حياة المؤمن ؟ ، وإنه بذلك لخير قدوة ونموذج لما ينبغي أن يكون عليه شباب اليوم
مواضيعك دائما رائعة وانت اروع.