في ذكرى استشهاد البنا مبارك يهرب من مصر !
هناك عدد لا باس به من الناس من يرى أن سيطرة الجيش على مصر بعد هروب آخر فراعنة مصر (على ما يبدو) هي من نوع "كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا".
منذ اللحظة الأولى ونحن نؤكد أن هناك من يتآمر على ثورة المصريين،فليس من السهل أن تكون ثورة في بلد هي أن شئنا أم أبينا احد مراكز ثقل التوازنات العالمية،في أكثر المناطق حساسية وتوترا ،لمصر بالذات هناك ثقل كبير ،تحدث عنه كثيرون، وزن مصر وتأثيرها وحضورها كبير جدا، فمنذ أن خرجت مصر من دائرة المواجهة تدهور الزمن العربي إلى الدرك الأسفل،رغم أن هناك دولا ما زالت تحسب أنها دول مقاومة لكن تأثيرها لم يتجاوز حدودها.
الآن هو الوقت الذي يجب أن نشارك به مصر فرحتها،فليس في كل يوم هناك يوم نفرح به ،نحن،وعلى الرغم من كل المخاوف التي أكدنا عليها وما زلنا إلى هذه اللحظة،ولم تغب عنا لحظة واحدة،فإننا لا نريد الآن من احد أن ينكد علينا فرحتنا،ليس في كل يوم يهرب زعيم بحجم حسني مبارك،وليس في كل يطرد شعب زعيما من نوع حسني مبارك،الذي لم يرتبط اسم قائد أو زعيم في وجدان التخاذل والهزيمة مثلما ارتبط اسم مبارك في السنوات الأخيرة بشكل خاص.
دعونا لا ننسى أن هذه اللحظة وهذا الانقلاب جاء في لحظة تاريخية هي من أحط وأرذل لحظات "الزمن العربي الردى"،في زمن كدنا نعتقد جازمين أننا خرجنا من التاريخ بغير رجعة،فجاء المصريون ومن قبلهم التوانسة لينشلونا من قاع البير بعد أن كاد "الحبل ينقطع بينا"،هل يمكن أن يكون هناك أجمل من ذلك؟،لقد جاءت اللحظة على غير المتوقع،كيف كنتم ستشعرون وأنتم في "نص البير" معلقين بحبل وقبل أن يقرض الفار آخر لفات الحبل جاء من ينقذكم من موت شبه محتوم،لكل واحد أن يتصور.
ليس في هروب مبارك أية مفاجأة،وليس في تسلم الجيش زمام السلطة أية مفاجأة كذلك،لقد أكدنا المرة تلو الأخرى أن ما يحدث في مصر منذ اندلاع الثورة،من قبل النظام وأركانه كان محاولات أمريكية لاحتواء الأزمة،على ذلك لم تكن أية مفاجأة،قد يقول البعض "انتصرت أمريكا وخسر المصريون".
نحن من جهتنا على الرغم من كل التحفظات التي أكدنا عليها سنقول "لقد انتصر المصريون" ،انتصارا تاريخيا،مصر منذ الآن والعالم العربي قاطبة لن يكون مثل ما كان في الأمس،قبل هروب مبارك وزين الدين بن علي،لقد انتصرت إرادة الجماهير،والاهم أن الجماهير كسرت حاجز الخوف ،هذا هو أهم تغيير حصل،ليس بمقدور احد أن يسلب هذا من المصريين والتوانسة،لقد كتب هؤلاء تاريخا جديدا للأمة،مع كل ما نحمل من تحفظات ومخاوف بشان مصر وتونس.
على ذلك يحق لنا اليوم أن نفرح،فليس في كل يوم يتاح لنا الفرح،وليس في كل يوم يتاح لنا مشاهدة زعيم يترك بلاده فارا،سنسال مبارك "الآن"،بالضبط كما سئل فرعون من قبله،حين غرق في البحر الأحمر ذاته,الذي سيقيم مبارك على ما يبدو قبالة شواطئه في جدة في السعودية.
يحق لنا أن نفرح
لان مصر بلدتنا التي نحب،ولان قاهرة المعز تستحق هذا الشرف،ولان حبنا لمصر لم يرتبط يوما في النظام،ولا بمخبريه،لقد أحببنا مصر حسن البنا وثورة 1952 وقطز واحمد شوقي والشيخ كشك والشيخ إمام واحمد فؤاد نجم وسيد قطب وبطل العبور سعد الدين الشاذلي الذي وافته المنية يوم هروب مبارك.
يحق لنا أن نفرح
لأنه ورغم كل التدابير التي اتخذتها أمريكا حتى الآن،ورغم كم النفاق الذي مارسته في ثورة مصر،فإنها ستكون منذ الآن قلقة على نفسها ،أكثر من أي وقت مضى.
إننا نعرف أن ثورة مصر ومثلها صورة تونس هي مسامير تدق في "عصر الهمينة الأمريكي"،وان لا شئ يمكن أن يقف في وجه إرادة الشعوب،أليس هذا مفرحا؟
يحق لنا أن نفرح
ونحن نسمع أمريكا "تنصح" من دعمتهم ،حلفاؤها تنصحهم بالهروب السريع،أن يتركوا بلادهم ويهربوا،لأنها وعلى الرغم ما تكن لهم من "تقدير واحترام" لخدماتهم"الجليلة" لا تقدر على حمايتهم من شعوبهم،وهذه رسالة لكل نظام عربي أينما كان ،أمريكا تقول "ليس بكل ثمن سنحميكم ،مصالحنا أهم بكثير من رقصاتكم التلفزيونية".
يحق لنا أن نفرح
ونحن نسمع وزير خارجية مصر احمد أبو الغيط يقول كلاما يناسب السحرة والمشعوذين،أبو الغيط الذي قال في حينه "انه ستقطع كل يد تمد إلى مصر"، ونحن نعرف أي يد كان يقصدها أبو الغيط المهرج،هذه المرة رفعت يد المصريين لتقول له انقلع ،اخرج أنت ماتفهمش.
يحق لنا أن نفرح
ونحن نرى مصر عن بكرة أبيها الفقراء والفلاحين والعمال والمثقفين الصغير والكبير المرأة والرجل وقبل كل هؤلاء الشباب ،يخرجون يتحدون "آخر الفراعنة" ،ولا يقبلون بأقل من استقالته وانقلاعه من بلده،هذه هي مصر أم الدنيا،مصر 1952 وحرب رمضان ،هذه هي مصر التي نحب،والتي عاشت في وعينا في السنوات الأخيرة على شاكلة فيلم عربي ،ورقصني يا جدع,والدلعدي ،والنشالين،والحشيش،والرقص الشرقي.
يحق لنا أن نفرح
ونحن نشاهد المعتصمين في ميدان التحرير يطردون عمرو دياب وتامر حسني واحمد السقا الذين والوا النظام،ولا ننسى ما وجهه المتظاهرون "للعجوز الكالح" عادل إمام،لقد أريد لشبان مصر أن يكونوا إمعات في مهرجانات تامر حسني،وها هو يردون الصاع صاعين،عاشت مصر ،تحيا مصر.
يحق لنا أن نفرح
ونحن نشاهد الشباب يعتصمون في ميدان التحرير،يرفعون صوتهم،هذا هو أكثر ما يجب إن يفرحنا،الأمة تقوم أو تموت بشبابها،والشباب هم عماد الأمة،وبهم تنصر الأمم، قال صلى الله عليه وسلم"نصرت بالشباب"،والآن نحن أكثر ثقة بشبابنا،أبناؤنا الذين في بيوتنا،هذه لحظة لنزرع الأمل والعزة والكبرياء والانتماء والتضحية فيهم.
في هذا اليوم
هي مفارقات القدر التي جمعت يوم هروب حسني مبارك مع ذكرى تاريخ استشهاد الإمام المرحوم حسن البنا الذي اغتاله عملاء الاستعمار،في الثاني عشر من شباط 1949،قبل 62 عاما بالتمام والكمال،هي ليست إلا أقدار.
وفي هذا اليوم واسمحوا لي أن أكون شخصيا للغاية،يوم 11 شباط هو يوم ميلادي،هذه المرة سأحتفل،سأفرح،بميلاد مصر الجديد.
وسأكون شخصيا أكثر في هذا اليوم،فقد أتمت ابنتي البكر رجاء حفظ القران،كم كان هذا اليوم سعيدا بالنسبة لي،الحمد لله لك يا رب على نعمك العظيمة