لقد تأخر كثيرا فتح هذا الملف والاهتمام به اهتماما حقيقيا وضاع بين أنقاض معارك كثيرة قامت من أجل المرأة وضدها, ولهذا سنحاول من خلال المنهج العلمي المحايد والموضوعي أن نستقرئ وضع الصحة النفسية للمرأة في مجتمعنا كجزء من الإصلاح العام الذي نسعى إليه في كل جوانب حياتنا.
وفيما يلي معالم الصورة ومقترحات الإصلاح:
المرأة تشكل 60-70% من المترددين على العيادات النفسية
-هل هو التكوين البيولوجي ذو الإيقاع المتغير من طمث شهري إلى حمل إلى ولادة إلى رضاعة إلى انقطاع الطمث وما يصاحب هذه التغيرات من مظاهر فسيولوجية وانفعالية ؟
-أم أن الوضع الاجتماعي للمرأة هو الذي يضعها تحت ضغوط مستمرة ومتعددة تؤدي في النهاية إلى إصابتها بالعديد من الاضطرابات النفسية والعصبية والجسدية ؟
فالمرأة مازالت حائرة ومذبذبة بين تيارات تدعو إلى وأدها نفسيا واجتماعيا وتيارات أخرى تدعو إلى انطلاقها خارج ملابسها أحيانا ( في رقصات الفيديو كليب) وخارج أنوثتها أحيانا أخرى ( في صراع الشوارع).
-أم أن المرأة أكثر قدرة على التعبير عن معاناتها النفسية وأكثر شجاعة في طلب المساعدة الطبية في حين يعجز الرجل عن التعبير ويخجل من طلب المساعدة أو يتعالى ؟
هذه الأسئلة وغيرها دفعت الكلية الملكية للأطباء النفسيين بانجلترا للاعتراف بما يشبه الفرع الخاص بالاضطرابات النفسية لدى المرأة وتشجيع مجموعة خاصة للقيام بالأبحاث اللازمة لهذا الشأن بداية من عام 1995.
بعد ذلك خصصت المجلة الأمريكية للطب النفسي عددين كاملين عن علاقة المرأة بالطب النفسي سواء كانت المرأة معالجة نفسية أو مريضة نفسية.
المرأة والمرض النفسي
-المرأة قبل المراهقة تكون أقل عرضة للاضطرابات النفسية ذات الصلة بالنمو العصبي (Neurodevelopment)، ولكن إذا تتبعناها في مراحل نموها التالية نجدها تمثل غالبية المرضى النفسيين من حيث العدد ومن حيث احتياجهن للرعاية النفسية.
-وقد بينت معظم الدراسات المجتمعية ازدياد نسبة الاضطرابات النفسية في النساء خصوصا الاضطرابات النفسية البسيطة.
-وهناك بعض الاضطرابات التي تكاد تكون أكثر التصاقاً بالمرأة مثل اضطرابات الأكل والاكتئاب والاضطرابات النفسجسمية واضطرابات الجسدنة في حين أن الفصام وإدمان الكحول والمخدرات تكون أكثر التصاقاً بالرجل.
-وإذا كانت المرأة سيئة الحظ مع الاكتئاب ( 1:2 بالنسبة للرجل ) فإنها تبدو أحسن حظاً مع الفصام ( الشيزوفرينيا ) حيث وجد أنها أقل إصابة به إضافة إلى أن شدة المرض تكون أقل واستجابتها للعلاج تكون أفضل ويبدو أن هذا يرجع لاختلافات جينية تؤدي إلى اختلافات في الحساسية للدوبامين.
تأثير المرض النفسي للمرأة على الأسرة
الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأهم، وهي الحضن للأطفال والسكن للزوج والملاذ الآمن والغطاء الواقي والحضن الدافئ للجميع، وفي قلب هذا الكيان الدافئ الحنون نجد الأم، فهي في مركز الدائرة الحنونة والراعية ومن دونها لا تكون هناك أسرة، وبغيابها تغيب مصطلحات الحب والحنان والدفء والرعاية.
ولذلك إذا حدث اضطراب نفسي لأي فرد من أفراد الأسرة فإن المرأة تتحمل العبء الأكبر وتشكل الخط الأول والأساسي للرعاية والاحتواء ( عته الشيخوخة لدى الزوج، الإدمان لدى الابن، الانحراف السلوكي لدى البنت ) ولكن الكارثة الأكبر تقع حين تتزلزل الأم ويتصدع بنيانها، أي حين تصاب بمرض نفسي فهنا يهتز المركز و يصبح البنيان الأسري بأكمله معرضا للتناثر حيث إن القوة الضامة الرابطة ممثلة في الأم قد اهتزت، فكيف نتخيل حال الأسرة وقد أصيبت الأم بالفصام ( الشيزوفرينيا ) واضطربت بصيرتها واختل حكمها على الأمور وتشوه إدراكها, كيف وهي في هذه الحالة تقوم بإدارة بيتها ورعاية زوجها وأطفالها ؟ أو كيف نتخيل حال الأسرة وقد أصيبت الأم بالاكتئاب الذي يجعلها عاجزة عن فعل أي شيء لنفسها فضلا عن غيرها, ويجعلها كارهة كل شيء حتى نفسها وأطفالها وزوجها بعد أن كانت هي منبع الحب والحنان.
ولذلك فإصابة الأم بالمرض النفسي يعتبر بكل المقاييس كارثة متعددة الأبعاد تستدعي رعايتها في المقام الأول وبسرعة وفاعلية مع رعاية أفراد أسرتها الذين افتقدوا قلب الأم وروحها ويدها الحانية.
** الدراسات والأبحاث
هناك نقص واضح في الدراسات والأبحاث الميدانية المحلية الخاصة بمشكلات المرأة النفسية، ومعظم الجهود العلاجية في الوطن العربي تستند إلى نتائج دراسات غربية أو إلى انطباعات وملاحظات إكلينيكية عامة.
لذلك أصبح من الضروري إنشاء تخصص نوعي لـ " طب نفس المرأة " على غرار " طب نفس الأطفال " و " طب نفس المسنين ", ويكون لهذا الفرع وحداته وعياداته ودراساته وأبحاثه.
** الخدمات النفسية
على الرغم من أن المرأة أكثر قبولاً لفكرة المرض النفسي وأكثر طلباً للمساعدة وأكثر مرونة في العلاج وأكثر تحسناً معه واستفادة منه إلا أن هناك عوائق كثيرة تعوق استفادتها من العلاج وهي:
1- المرأة تحتاج الإذن من زوجها أو أقاربها لكي تذهب للعلاج، وهم لديهم حالة من الإنكار للمرض النفسي أو يخافون من وصمته, أو يعتبرونه ضعفا في الإرادة أو الإيمان.
2- كثرة اللجوء للمعالجين الشعبيين والدجالين حيث ترجع المرأة مرضها في كثير من الأحيان إلى مس الجن أو السحر أو الحسد.
3- ظهور الكثير من الاضطرابات النفسية لدى المرأة في صورة أعراض جسمانية.
4- بعض الاعتبارات الاجتماعية تجاه الاضطرابات النفسية خصوصا إذا ارتبطت بشبهة الانحراف الأخلاقي مثل الإدمان واضطراب الشخصية وحالات الهوس والفصام.
5- إمكانية تعرض المرأة للاستغلال أو الابتزاز خلال مراحل العلاج.
6- عدم وجود أماكن علاجية كافية ومناسبة لاحتواء المرأة حتى تُشفى