إعداد: الأستاذ/ محمد عقل هلسة*
مقدمــــة: تحتل القدس موقعاً رئيسياً في الفكر الصهيوني الإسرائيلي بسبب الرؤية التوراتية لها وأهمية هذه الرؤية في تعبئة وحشد الرأي العام اليهودي في الشتات وربطه "بأرض الميعاد" وتوجيهه للهجرة إلى فلسطين ليتحقق للصهيونية تطبيق شعارها بعودة "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب". وقد شكلت هذه النظرة الخاصة لفلسطين عامة وللقدس بخاصة القاعدة التي انطلقت منها سياسات الاستيطان والتوسع الصهيونية. وعلى الرغم من أن الحركة الصهيونية هي حركة استعمارية علمانية لا علاقة لها بالدين اليهودي أو التوراة إلا أنها طبعت نفسها وبرامجها وأنشطتها بطابع تاريخي ديني يهودي تراثي أسطوري وذلك لإنجاح عملية الحشد والهجرة لإقامة الدولة اليهودية والعودة باليهود إلى الأرض المقدسة واتخاذ القدس 'أورشليم' عاصمة لهم وبناء هيكلهم المزعوم فيها. ومن هنا استخدمت الصهيونية، كأي أيدلوجية تود أن تكتسب الشرعية وأن تجند الجماهير خلفها، ديباجات دينية فكان هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، يتحدث عن الاستيطان في فلسطين "باعتباره الخروج" ويسمي الهجرة الاستيطانية إلى فلسطين المحتلة 'عَلِياه'، وهو ما يعني العلو والصعود بالمفاهيم الدينية. وفلسطين بعد احتلالها وطرد سكانها منها تصبح 'إرتس إسرائيل' و"أرض الميعاد" و"الوطن القومي اليهودي"، وكذلك فإن احتلال القدس هو "تحرير" لها وضم القدس الشرقية هو "توحيدها". فاستخدام الصهاينة الديباجات والرموز الدينية لا يعبر عن الإيمان بها بل هو استخدام ذكي وخبيث لها بسبب مقدرتها التعبوية. هذا التوظيف للتوراة وهذا الاستدراج للأسطورة في حياة اليهود هو ما استند إليه قادة الحركة الصهيونية في تحويل الوهم إلى حقيقة واللاتاريخ إلى تاريخ واللاوجود إلى وجود والاختلاق المجرد إلى واقع، وبدأ معه تسليط الضوء على القدس بشكل أو بآخر في التعبئة الفكرية الأيدلوجية للحركة الصهيونية وبدأ يتشكل في المخيلة اليهودية تصور خاص عن القدس وأُطلِقت عليها العديد من التسميات، منها: مدينة الله، ومدينة داود، ومدينة الملك العظيم، ومدينة يهودا، وأرائيل، ومدينة العدل، وشاليم، ومدينة صهيون، وقدس الذهب. ومن هذا المنطلق دأب آباء الحركة الصهيونية ومنظروها منذ مطلع القرن المنصرم على ترسيخ ما يسمونه الهدف الأعظم في أذهان يهود العالم وهو احتلال القدس وجعلها عاصمة لدولتهم إسرائيل. القدس: البعد الديني التوراتي تعتبر النصوص التوراتية المكون الأساسي لرؤية اليهود للمدينة المقدسة. والقدس تشغل مكاناً مركزياً في الوجدان اليهودي، فهي ليست عاصمة داود وسليمان السياسية فحسب وإنما هي العاصمة التي لا يمكن للإله أن يستقر أو يُعْبَدَ إلا فيها "الرّب اختار صهيون واشتهاها مسكناً له". ويطلق على القدس اسم "صهيون" في الموروث الديني حيث تضم جبل صهيون وقبر داود و'حائط المبكى'. وقد أصبحت المدينة مركزاً للدين اليهودي يتجه إليها اليهود ويذكرونها في صلواتهم وخصوصاً في احتفالاتهم بعيد الفصح حيث يرددون : 'نلتقي في العام القادم في أورشليم' وهي أيضاً المدينة التي كانوا يحجون إليها ثلاث مرات في العام. فاليهود يربطون الأرض المقدسة بالشعب المقدس كما أنهم يسمون الأرض الموعودة بـ "أرض الرّب"، وقد سُمّيت في إصحاح زكريا 'بالأرض المختارة' التي اختارها الرّب 'يهوه' ومعه شعبه المختار. كما أنهم يزعمون أن الرّب اختص بها اليهود واختار لنفسه 'أورشليم' ومن هنا سُمّيت بـ 'مدينة الرّب' لأنهم يعتقدون أن 'يهوه' سيسكن فيها. وتكشف تسمية مدينة الرّب عن مدى التشبث اليهودي بالقدس، حيث التفريط بها يعني التفريط بمسكن الرّب 'يهوه'. وفي 'القبالاه' اليهودية تحظى القدس بمكانة المدينة التي "سيفيض منها الخير إلى السماء ومنها يوزّع على بقية العالم, وهي الملكوت الذي سيحكم العالم ولا يفصلها أي فاصل عن الإله، وتصعد أدعية اليهود من خلالها". وقد أحاط التشريع والتراث اليهودي مدينة القدس بكثير من القوانين والأساطير التي تشير إلى أن الإله خلق أورشليم عند خلقه العالم وأنه أقام خيمة الاجتماع فيها وصلى متمنياً ألا يعصيه أبناؤه وحبيبته، أي 'أورشليم'. وهناك كذلك إشارات إلى 'أورشليم' في العصر المشيحاني،أي بعد عودة الماشيح (المسيح) المخلص، وقيادته الشعب اليهودي إلى فلسطين "فستمتلئ حدودها بالأحجار الكريمة، وسيأتي اليهود ويأخذونها وسيضاف إليها آلاف الحدائق". لقد ظلت القدس على مر العصور إحدى البؤر المركزية للوعي الديني اليهودي، وتظهر الإشارة إلى استعادة القدس في الصلاة الأساسية في الديانة اليهودية 'شمونا إسراي' التي تتلى ثلاث مرات يومياً. كذلك فإن عبارةً شهيرةً من المزموز 137 "إن نسيتك يا أورشليم تنسى يميني" هي جزء من تلاوة الشكر التي يرددها اليهود بعد تناول الوجبات خلال أيام الأسبوع. أما فيما يتعلق بالهيكل المزعوم فقد ظل اليهود عبر تاريخهم يتوجهون إليه في صلواتهم يملؤهم الشوق للوصول إلى الحالة التي تمكنهم من إعادة بنائه، حيث ورد في سفر الملوك الأول "أن اسم الرّب وضع في الهيكل إلى أبد الدهور". ويعتبر الهيكل على هذا أقدس مقدسات اليهود، ويعتبر قدس الأقداس أقدس شيء فيه وهو جزء من الهيكل نفسه الذي كان يضم تابوت العهد. وفلسطين بالنسبة لليهود تقع في مركز الدنيا والقدس في وسط فلسطين والهيكل في وسط القدس ويقع قدس الأقداس في وسط الهيكل "فقدس الأقداس الذي في وسط الهيكل هو بمنزلة سُرة العالم..... والهيكل كنز الإله ... وهو عنده أثمن من السماوات بل من الأرض التي خلقها بيد واحدة، بينما خلق الهيكل بيديه كلتيهما". وحتى بعد دمار الهيكل بقيت القدس قبلة الصلاة اليهودية كما اتبع التقويم اليهودي للصوم، حتى العصر الحديث، مراحل حصار وتدمير القدس على يد الإمبراطورية الرومانية. وبحسب التعاليم اليهودية فإن قدسية منطقة جبل الهيكل تظل قائمة على الرغم من تدمير الهيكل. وعلى الرغم مما تضمنته النصوص السالفة الذكر من تبجيل وتقديس للقدس وللهيكل فإن ذلك يتناقض تماماً مع ما يرد في نصوص أخرى ويتناقض كذلك مع الممارسات اليهودية والتي تعاطت مع بيت المقدس والهيكل بإهانات عظيمة. ففي سفر الملوك الأول يرد "أن سليمان عليه السلام باني هيكل الرب في أورشليم اتخذ آلهة من دون الله". وفي سفر الملوك الثاني يعلن الرّب رفضه للمدينة المقدسة 'إني أنزع يهوذا أيضاً من أمامي كما نزعت إسرائيل وأرفض هذه المدينة التي اخترتها أورشليم، والبيت الذي قلت يكون فيه اسمي'. وفي سفر حزقيال تُذكر القدس بأقذع الأوصاف 'يا ابن آدم عرِّف أورشليم برجاستها'. والحال نفسها في مملكتي إسرائيل الشمالية والجنوبية حيث تلويث القدسية المُدّعاة لبيت الرّب في أروشليم وإدخال الأرجاس والأوثان إلى بيت هذا الرّب حيث يرد في سفر الإخبار الثاني: "حتى أن جميع رؤساء الكهنة والشعب أكثروا الخيانة حسب كل رجاسات الأمم، ونجّسوا بيت الرّب الذي قدّسه في أورشليم". وإذا كان اليهود يستمدون شرعية مطالبهم بالمدينة المقدّسة من تعاليمهم الدينية المستوحاة من التوراة ، فإن هذه التوراة ذاتها تقول "من أجل أن ملك يهوذا أساء أكثر من جميع الذي عمله الأموريون الذين قبله، هاأنذا أجلب شراً على أورشليم ويهوذا وأمسح أورشليم كما يمسح واحد الصحن" فأي قداسة وأي وعد إلهي هذا الذي يبقى بعد أن يمسح 'الرّب' 'أورشليم' ويرفضها. ولو كان الهيكل والقدس مقدسين لدى اليهود كما يدّعون لما عبد الشعب الإسرائيلي آلهة أخرى، ناسين الرب وهيكله وناعتين بيت المقدس والهيكل بأبشع وأقذع الأوصاف وهو ما يتضح من توراتهم وأسفارهم. ولا ننسى أن نَذْكُرَ بأن اليهودية الحاخامية تُحرّم العودة إلى فلسطين ومن ثم إلى القدس إلا في آخر الأيام وفي الوقت الذي يحدده الإله وبالطريقة إلى يقررها. وقد اتهم الحاخامات الصهيونية بأنها تسعى إلى التعجيل بالنهاية "دحكات هكيتس" وذلك بتحديها مشيئة الإله والضغط عليه لإجباره الماشيح على المجيء حيث جاء في التلمود : "لا تعودوا ولا تحاولوا أن ترغموا الإله". إن ممارسة الإسرائيليين في بيت المقدس، ولا شك، هي الممارسة المتناقضة مع كل معاني القدسية والاحترام وهي ذات الممارسة التي تعاملت معظم تاريخها مع بيت المقدس والهيكل بإهانات عظيمة وبإسقاط لمكانتها وقدرها. القدس في الفكر الصهيوني: سعت الحركة الصهيونية منذ أن تبلورت بنيتها التنظيمية بشكل واضح بعد مؤتمر بازل في سويسرا سنة 1897 إلى تطوير مفاهيم سياسية تعبوية في صفوف يهود العالم وبضخ جملة من الأفكار إلى أذهانهم وعقولهم وذلك في سعيٍ لتحويل مفهوم الفكرة الدينية لليهود من المستوى الديني العقائدي إلى المستوى القومي السياسي. ليس هذا فحسب بل عمد آباء ومفكرو الحركة الصهيونية إلى توظيف واستغلال بعض المفاهيم الدينية حول 'شعب الله المختار' و 'أرض الميعاد' لتوجيه العواطف والمشاعر اليهودية نحو فلسطين والقدس تحقيقاً للأهداف الصهيونية لإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. وسبقت مساعي آباء ومنظري الفكر الصهيوني لنشر دعوتهم ومطالبهم لتحقيقها إنشاء المنظمة الصهيونية، وظهرت فكرة استيطان فلسطين والقدس في دعوات ومؤلفات بعض المفكرين والحاخامات الصهيونيين أمثال الحاخام تسفي كاليشر ويهودا القلعي اللذين وضعا مشاريع للعودة إلى فلسطين حتى إن القلعي قَدِمَ بنفسه إلى فلسطين وسكن مدينة القدس. وفي كتابه 'روما والقدس' يحرّض موسى هس، أحد مفكري الصهيونية الاشتراكيين في القرن التاسع عشر، على إيجاد قومية يهودية تُحرّر القدس وتكون بداية عصر الانبثاق الجديد على غرار تحرير روما في التاريخ القديم, ثم إنه بحسب الأسس التي يراها ضرورية لتحقيق ذلك، يبشر 'بولادة قدس جديدة تفوق روما القديمة في النفوذ والعظمة'. وعلى الرغم من ميولهم اللادينية المعروفة إلا أن قادة الحركة الصهيونية كانوا مقتنعين بأهمية ما يسميه روجيه جارودي 'سلطة الأسطورة' في كتابه الشهير 'الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية'، أي تأثير التوراة والأسطورة في جماهير يهود العالم وهو الأمر الذي تم توظيفه لخدمة أهداف الحركة الصهيونية والدولة اليهودية عموماً. وسرعان ما اكتشف هؤلاء القادة الصهاينة أن توجيه الأنظار إلى فلسطين 'أرض الميعاد' وبيت المقدس 'مدينة صهيون' سيأتيهم بكل ما يحلمون به ولم يعد أمامهم أسهل من استدراج وبعث الأسطورة الدينية لدى اليهود. وهكذا أخذت الحركة الصهيونية وقادتها بالتركيز على القدس وإثارة المشاعر الدينية اليهودية من أجل الحصول على دعم يهود العالم لأهمية القدس الروحية في الديانة اليهودية، مستغلين ما للقدس من حرمة فريدة في نظر اليهود لوجود 'حائط المبكى' فيها ومتخذين من ذلك ذريعة دعائية متحالفة مع الاستعمار لاغتصاب القدس وقبر الإرادة العربية والإسلامية بالقوة العسكرية. وفي إطار تركيز نشاطها على القدس بشكل خاص عمدت الحركة الصهيونية إلى تجميع المؤسسات اليهودية في مدينة القدس وذلك عن طريق بناء الأسس الأولى التي تساعد في السيطرة على مدينة القدس مستقبلاً فأقامت فيها مقر اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية العالمية ومقر الوكالة اليهودية والصندوق التأسيسي 'كيرن هيسود' والصندوق القومي اليهودي 'هكيرن كيمت' إضافة للمجلس الوطني لليشوف 'الاستيطان' ومركز اللجنة القومية اليهودية. واتُخذت القدس كذلك مقراً للجامعة العبرية سنة 1925 وكذلك مستشفى هداسا الذي أُسس سنة 1935. وشكلت هذه المؤسسات الدافع الأهم للمشروع الصهيوني الإسرائيلي في فلسطين وساعدته على تحقيق السيطرة وتثبيت الاستيطان على الأرض الفلسطينية، وهكذا كان استيطان القدس من أهم ركائز الدعوة الصهيونية التي ظلت تُردد أحد المزاعم اليهودية التوراتية التي تقول: "أقدامنا كانت تقف عند أبوابك يا قدس، يا قدس التي بقيت موحدة". وضمن هذا التصور يعبر مؤسس الحركة الصهيونية هرتزل، عن وجهة نظره تجاه القدس بقوله "إذا قُدِّرَ لنا يوماً أن نمتلك القدس، وأنا على قيد الحياة وكنت قادراً على أن أفعل أي شيء، فسوف أدمر كل ما هو غير مقدس عند اليهود فيها". وبعد قيام الكيان الصهيوني أعلن بن غوريون أحد قادة الحركة الصهيونية وأول رئيس حكومة إسرائيلي أمام الكنيست، وذلك بمناسبة الرد على طلب الأمم المتحدة بشأن تدويل القدس 'إن القدس الصهيونية هي جزء عضوي وغير منفصل عن تاريخ وديانة وروح شعبنا، إن القدس هي القلب الذاتي لدولة إسرائيل, إن علاقتنا اليوم مع القدس لا تقل أبداً عن عمق تلك العلاقة التي كانت موجودة أيام نبوخذ نصّر وتيتوس فلانيوس.... إننا نعلن أن إسرائيل لن تتخلى إرادياً عن القدس، تماماً كما لم تتخل خلال آلاف السنين عن إيمانها وهويتها الوطنية وأملها بالعودة للقدس وصهيون'. وفي أعقاب سقوط القدس الشرقية عام 1967 جدد بن غوريون القول "لا معنى لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل". وعلى الرغم من هذا الاهتمام بالقدس إلا أن موقف الحركة الصهيونية من القدس وأطماعها فيها لم تكن إلا جزءاً من المخطط الصهيوني الشامل لاحتلال فلسطين ككل والذي جرى تنفيذه على مراحل منذ نهاية القرن التاسع عشر. وإن كانت الدوائر الاستعمارية الصهيونية لا تغفل أهمية القدس العسكرية والجغرافية والاقتصادية ومكانتها الدينية إلا أنه لا يمكننا أن نتجاهل أيضاً أن آباء الحركة الصهيونية لم يكن يشغلهم بشكل محدد موضوع القدس وإنما شكل هذا الموضوع إحدى وسائل الجذب والتعبئة تجاه الدولة والكيان القومي بشكل خاص. وهذا ما بدا جلياً من أقوال وايزمن رئيس المؤتمر الصهيوني حول القدس حين أشار إلى أنه "لو أعطيت القدس لنا فلن نأخذها لأنها ستثير مشاكل لا حصر لها". وهو أيضاً ما ورد على لسان هرتزل بعد أن زار المدينة وخرج من أبوابها قائلاً: "لا شيء في هذه المدينة لنا". لا شك أن جوهر الفكرة الصهيونية كان إقامة دولة يهودية في فلسطين وهذا هو الأكثر أهمية أما بالنسبة للقدس, ومع أهميتها, فهي جزء من تفاصيل المشروع الصهيوني الكبير. فقد أعلن الإسرائيليون قيام كيانهم الغاصب ولم تكن القدس تحت سيادتهم. ومع ذلك يجب التنبيه هنا إلى أن هذا لا يعني على الإطلاق أن أطماع الحركة الصهيونية في القدس لم تكن موجودة، على العكس، هذه الأطماع كانت دائماً حاضرة في الفكر الصهيوني لكنها لم تكن مُلحةً في سُلم الأولويات التي تغيرت وتبدلت وفقاً للظروف والمعطيات على الأرض. وفي هذا الإطار بدأت الحركة الصهيونية، بعد احتلال القدس عام 1967، تُطور تصوراً جديداً في الوعي الجمعي الإسرائيلي حول مدينة القدس مفاده أن القدس هي العاصمة الوحيدة والأبدية لدولة إسرائيل وبأنه لا يمكن أن يختلف على ذلك اثنان في إسرائيل وبأن على العالم أن يقر ويعترف بذلك، والأهم، أن على العرب والفلسطينيين تحديداً أن يقبلوا ويخضعوا ويسلموا بهذا الأمر. ومن هنا وتكريساً لهذه الفكرة انطلق الصهاينة في أكبر وأوسع عملية تزوير وقلب للحقائق عرفها التاريخ وبدأوا برسم صورة للقدس التي يريدون وذلك من خلال تنفيذ خططهم الصهيونية الجهنمية التي هدفت إلى تغيير الحقائق التاريخية والديموغرافية والإنسانية فيها. ومن هنا باشر الإسرائيليون بتنفيذ مخططاتهم الرامية إلى تهويد القدس بهدف جعلها يهودية خالصة وتحويل القدس العربية إلى جزيرة صغيرة وسط بحر يهودي لفصلها عن المحيط العربي وهو ما يكرس سيادة إسرائيل عليها. إن مأساة القدس هي جزء أساسي من مأساة فلسطين ويصعب التفكير بإمكان الوصول إلى تسوية بشأنها دون تسوية المسألة الفلسطينية برمتها بتحرير الأرض المغتصبة ورد الحقوق إلى أصحابها الأصليين وعودة شعبها العربي الفلسطيني إليها. وإن كانت الأسطورة والقوة الصهيونية قد نجحت في خلق وعي جمعي يهودي حول القدس إلا أن الإسرائيليين والعالم أجمع يدركون أن هذه المسألة تخضع أساساً لتوازن القوى أكثر من خضوعها لاستحقاقات العقائد والعواطف وبأن صورة القدس ستبقى ملتحمة في أعماقنا مع نبض الحياة والروح إلى أن تتغير موازين القوى الظالمة هذه. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل المراجـع: 1. جواد بحر النتشة، مكانة بيت المقدس بين نصوص الوحي وحركة الإنسان، فلسطين، الخليل، مركز دراسات المستقبل، 2006. 2. رجاء جارودي، الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، ترجمة: حياة الحويك عطية، عمان: الاتحاد العام للأُدباء والكتّاب العرب. 3. سمير جريس، القدس: المخططات الصهيونية، الاحتلال، التهويد، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1981. 4. عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، بيروت: دار الشروق، 1999. 5. محمد جلاء إدريس، أورشليم القدس في الفكر الديني الإسرائيلي، الجيزة: مركز الإعلام العربي، 2001. 6. موطي غولان، القدس في نظر الصهيونية / السياسة الصهيونية تجاه مسألة القدس، ترجمة: جواد سليمان الجعبري، غزة، وزارة الإعلام الفلسطينية، 1996. 7. هالة منصور، الرؤية الإسرائيلية للقدس، صامد الاقتصادي، عدد107، آذار 1997. 8. يوسف يوسف، القدس: المرجعية الدينية شكل آخر للصراع، صامد الاقتصادي، عدد 127، آذار 2002. * مدير دائرة المكتبة والترجمة مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية/القدس |