الانتفاضة التي شكلت منعطفا حادا في المشهد السياسي والنضالي الفلسطيني ، كشفت عن المخططات والنوايا الاسرائيلية الحقيقية التي تقف وراء حربهم التي اعلنها جنرالهم باراك في اعقاب فشل مفاوضات كامب دفيد - 2 - ، محملا الرئيس الفلسطيني الراحل مسؤولية الفشل والمواجهات زاعما ان لا شريك فلسطينيا في المفاوضات والتسوية..
وعلى مدى سنوات عمرها ، تحولت الانتفاضة لتصبح تحت جدل فلسطيني - فلسطيني غير منطقي حول جدواها وتداعياتها ، فتتحدث بعض المصادر والجهات الفلسطينية مثلا عن:"ان انتفاضة العام 2000 دمرتنا ودمرت كل ما بنيناه وما بني قبلنا ـ وكالات الثلاثاء 7 ـ 9 ـ 2010"، بينما يتجاهل هؤلاء حقيقة كبيرة ساطعة تتمثل في ان الاحتلال هو صاحب الاجندات الاستيطانية التهويدية وهو صاحب الايديولوجيات المتطرفة وصاحب القرار بالحرب المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني ، وهو الذي قام ويقوم بالاصل والاساس بتدمير المشهد الفلسطيني تدميرا شاملا ، وفي مقدمته البنى التحتية الفلسطينية ، سواء اكان هناك انتفاضة ام لم يكن...،
فالحقيقة الكبيرة ان الاحتلال لم يتوقف عن حروبه وانتهاكاته ومجازره ضد الفلسطينيين قبل الانتفاضة او خلالها او بعدها ، بل ان الحقيقة التي يجب ادراكها انه حتى لو رفع الفلسطينيون الرايات البيض لما توقفت الدولة الصهيونية عن مخططاتها وحروبها ، فهم هناك في المؤسسة الصهيونية يريدون شعبا فلسطينيا مدجنا مهادنا ومتأقلما كما صرح نتنياهو غير مرة ، ويريدون تسليما فلسطينيا بيهودية دولة "اسرائيل" بهدف اغتصاب وتهويد الرواية والتاريخ بعد تهويد الارض..
والاحداث الجارية في المشهد الفلسطيني في هذه الايام ، حيث نتابع هبات مقدسية متلاحقة في مواجهة التهويد ، تعود بنا إلى"درس البديهيات .. العسير ،"الذي كتب عنه الراحل الكبير محمود درويش ، متحدثا عن طبيعة الصراع بين الروايتين العربية والصهيونية قائلا:"كلما خيل لنا أن صورة فلسطين انتقلت من مكانتها المقدسة .. إلى سياق العادي فاجأتنا بقدرتها الفذة على إيقاظ معناها الخالد ، ببعديه الروحي والزمني ، من نعاس تاريخي عابر ..".
ويوفر لنا درويش المزيد من الدروس في الصراع مؤكدا:
ليست فلسطين جغرافيا فحسب ، بقدر ما هي أيضاً تراجيديا وبطولة ، ولا هي فلسطينية فقط ، بقدر ما هي إخصاب لفكرة العربي عن نفسه ، ومعنى إضافي لمعنى وجوده في صراعه مع خارجه ومع داخله ، ليكون جزءاً من تاريخه الخاص ومن التاريخ العام ".
تحملنا هذه الاستخلاصات المكثفة لشاعر فلسطين الى البدايات والمربع الاول للصراع .
وتفتح امامنا كافة الملفات المعلقة والمؤجلة الى حين...؟،،،
انتفاضة مصغرة في القدس
واليوم - وفي الذكرى السنوية العاشرة للانتفاضة ، تعيد لنا الاحداث الجارية على ارض المدينة المقدسة اجواء الانتفاضتين الاولى والثانية..بل وتؤشر الى احتمالات انتفاضة ثالثة على الطريق.
فالمدينة بكافة احيائها وحاراتها وشوارعها وازقتها من بلدتها العتيقة الى سلوان والبستان الى العيسوية فرأس العامود وبطن الهوا الى مخيم شعفاط الى واد الجوز ، الى رأس العامود وجبل المكبر ، لتشمل كل الامكنة المقدسية ، شهدت مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال ، فيما عم الإضراب العام المدينة ، وقامت قوات الاحتلال خلال هذه المواجهات بإطلاق القنابل الغازية والصوتية والرصاص المطاطي ، ما أدى إلى وقوع شهيد - سامي سرحان - وعشرات إصابات ، كما تم اعتقال العشرات من الشبان ـ وكالات 20و21و22و23و24و25 ـ 9 ـ 2010 وحسب تطورات الاحداث الموثقة فقد حوّلها الاحتلال إلى ثكنة عسكري ، في الوقت الذي تصاعدت جرائم الاحتلال ومستوطنيه بحق المقدسيين ، التي قادت إلى ما يشبه انتفاضة شعبية لا سيما في حي سلوان المقدسي الذي استشهد فيه الشاب سامر سرحان.
وحشد الاحتلال قوات إضافية في المدينة والقرى المحيطة بها ، أحكمت قبضتها على البوابات الرئيسية للبلدة القديمة لمنع الفلسطينيين من التوجه إلى المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضي ، الأمر الذي أدى إلى حرمان آلاف الشبان والرجال ممن تقل أعمارهم عن 50 عاماً من أداء صلاة الجمعة في الأقصى ، فلجأوا للصلاة في الشوارع والساحات .
حي سلوان يختزل الصراع
كثف تقرير لفراس الخطيب المشهد الاخير قائلا:"ان الهدوء الذي كان في القدس ليس حذراً فحسب ، إنه هدوء دائم قبل عاصفة ستأتي حتماً ، فمن يخطّ السطور عن المواجهات على تلك الأرض المنسية يعً أنه سيكتب مرةً أخرى ، عن تصعيد أكبر قادم إذا لم يحدث تحول جذري قريب ، ومن يسر هناك يعً أن لا مكان سوى للتشاؤم ، فالأسباب التي أشعلت المشهد لا تزال ذاتها".
ويتبيّن لنا بالتالي أنّ المدينة المقدّسة على موعدْ مع الصراع والانتفاضة ، فما يجري في سلوان اليوم ربما لن يؤّدي إلى انتفاضة ثالثة - بالمعنى والحجم والشمولية التي كانت - ، لكنّه بالتأكيد علامة على تصعيد الاشتعال. فسلطات الإحتلال تصعّد عداءَها للقدس والمقدسيّين ، وتحاول فرض أمر واقع في ظل المفاوضات ، تلفت أنظار العالم إلى مستوطنات الضفة الغربية والبناء أو عدم البناء فيها ، فيما صلب القضية ، القدس وما حولها ، يتعرض لتهويد يومي ومخططات ذات "طابع استراتيجي" لم تقدر المفاوضات حتى الاقتراب منها.
سلوان حيّ يختزل الصراع بأزقته ، عبارات مثل التهويد والاستيطان والاستهداف تتجلى بين بيوته ، يستطيع المرء أن يراه بثاً حيّاً ومباشراً ، كيف تسير عائلة المستوطنين مدججة بالحرّاس في أزقة الحي ، وكيف أنّ "حراس أمن" المستوطنين هم مصدر قلق السكان الأصليين للمكان ، ترى التهويد جاثماً أمام العين ، فتنظر إلى ذلك الحي المنحدر من أعلى سفح الجبل المنتهي بحي البستان في أسفل الوادي ، وترى أعلاماً إسرائيلية علقت على عدد من البيوت في الحي علامة على "سقوطها بأيدي المستوطنين" ، وترى الاستهداف على نحو يومي. كل هذا ، مغلّف بوضع اقتصادي صعب ، وبنى تحتية منعدمة ومن السهل التنبؤ ، بأنّ أحداث يوم أمس ، كما أحداث السنوات الماضية ، هي انفجار حالة دائمة من الاحتقان".
عرب48 -فعاليات وندوات
وفي الذكرى العاشرة للانتفاضة يعود اهلنا في فلسطين 48 ليحتلوا قلب المشهد الانتفاضي ايضا ، اذ نظم بعد ظهر الخميس24 ـ 9 ـ 2010 ، عدد من التظاهرات على مفترقات الطرق في جميع أنحاء فلسطين ، ابتداء من البروة في الشمال وانتهاء بمدخل رهط في الجنوب ، شاركت فيه جميع الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة.
وجاءت التظاهرات بناء على قرار لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل إحياء للذكرى العاشرة لهبة القدس والأقصى ، كما تقرر أيضا تنظيم خمس فعاليات مناطقية في كل من : العراقيب ، يافا - القدس ، جت ، الناصرة ، وسخنين ، بحيثت تقوم اللجان الشعبية المحلية بتنظيمها وتحديد تاريخها حتى نهاية الشهر الحالي ، وستكون المسيرة المركزية في بلدة كفر كنا حيث ستنطلق في الساعة الثالثة والنصف في الأول من أكتوبر بجانب النصب التذكاري في المدخل الشمالي للبلدة وتنتهي في مهرجان خطابي في ساحة المجلس المحلي.
من جانبه أقر التجمع الوطني الديمقراطي تنظيم (12) ندوة في المناطق الحزبية التي ابتدأت في ترشيحا في تاريخ 19 ـ 9 وستنتهي في باقة الغربية في نهاية الشهر الحالي عشية الذكرى العاشرة.
ودعا التجمع كافة كوادره للمشاركة في إنجاح جميع الفعاليات المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا وإنجاح الإضراب العام في كل المواقع في البلاد.
وعقب نائب أمين التجمع الوطني الديمقراطي مصطفى طه بالقول: "تأتي التظاهرات هذه عشية الذكرى العاشرة لهبة القدس والأقصى بناء على قرار لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ، وتأتي الذكرى العاشرة ودالة العنصرية في تصاعد مستمر وتحول المواطنين من معاديين في نظر المؤسسة إلى خطر استراتيجي ، وما هذه القوة التي حصل عليها حزب "يسرائيل بيتنو" وتمثل في 15 عضوا كنيست بزعامة ليبرمان إلا انعكاس لهذا الواقع العنصري الذي يشهده المجتمع الإسرائيلي. وأصبحت العنصرية مشرعنة وممثلة في أعلى مستوى هرم اتخاذ القرار الوزاري في الدولة".
وقال: "هبة القدس والأقصى كانت مفصلا جديا في تاريخ فلسطينيي الداخل عندما حسم ولاءهم لشعبهم الفلسطيني بما لا يدع مجالا للشك ، وهي مفصل هام أيضا لأنها كسرت حاجز الخوف والصمت إلى غير رجعة ، ولا خيار أمامنا إلا تقوية عود الحركة الوطنية ، والعمل على المزيد نحو الوحدة الوطنية لمواجهة هذا الوحش الصهيوني".
هل تندلع الانتفاضة من الداخل الفلسطيني...؟
المحلل عوفر شيلح - كتب في هذا الصدد في معاريف :"المفاوضات التي تجري الان بين اسرائيل والفلسطينيين هي شيء بين ذر الرماد في العيون ومناورة في عدم المعنى ، وعدم الثقة بين الطرفين عميق جدا ، والوضع على الارض معقد جدا بحيث أنه لا توجد حتى موافقة داخل قوات الامن والجمهور على ازالة عشرة سواتر ترابية ، في هذه الظروف ، يبدو ببساطة سخيفا الحديث عن المواضيع الجوهرية للنزاع ، التي لم يتوفر لها في ايام افضل بكثير حل" ، مضيفا :"عدم الثقة ينعكس ايضا في الرأي العام الفلسطيني ، وبالنسبة للفلسطينيين ، فان اليأس اعمق بكثير وينضم الى شروط حياتهم القاسية ، وهذه ظروف قابلة للانفجار ، من النوع الذي ادى الى اندلاع الانتفاضة الثانية في ايلول 2000 ، فالشعب الذي يشعر بان ليس لديه ما يخسر ، خاب أمله من زعمائه ، من شروط حياته ومن الامل بالاستقلال ، من شأنه أن ينهض حتى حيال اقسى الظروف" ، مستخلصا :"ان وجه الانتفاضة الثالثة سيكون مغايرا عن وجه الانتفاضة الثانية ، اذ يمكنها أن تؤدي الى السيطرة السياسية لحماس على الضفة ، والى تجند جماهير جديدة الى الكفاح المسلح ، والى أمور كثيرة من الصعب توقعها الان".
وتوقع حسون وهو احد كبار جهاز الشاباك وعضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي:"أن يكون اندلاع انتفاضة ثالثة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 وفي الضفة المحتلة ايضا هي مسألة وقت" ، وحسب أقواله التي نقلها "موقع المستوطنين 7" عنه :"إنه على الأجهزة الأمنية أن تنتبه أكثر للفلسطينيين داخل الأرضي المحتلة عام "48 ، مضيفاً "أن هناك وقود وغضب بين المواطنين الفلسطينيين ينتظر الشرارة لينفجر ، لذلك علي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية البدء بردع سكان الـ48 وجمع معلومات استخباراتية عنهم قبل أن يفوت الأوان ".
وكذلك الجنرال بنيامين بن اليعزر يحذر من مغبة "اندلاع انتفاضة داخل اسرائيل من قبل السكان الفلسطينيين في أراضي ال48 المحتلة ، بسبب اهمال الحكومات الاسرائيلية لأوضاعهم - مثلا -"، مضيفا :"إن إهمال الحكومات الاسرائيليه المتعاقبة للسكان الفلسطينيين داخل اسرائيل سيؤدي إلي وضع ينتفض فيه سكان أراضي 48 من الفلسطينيين ضد اسرائيل ، وأن الحكومات الاسرائيليه أهملت مناطق ألـ 48 من مشاريعها البنيوية ، منذ قيام اسرائيل حتى يومنا هذا ".
الانتفاضة الشعبية الثالثة
الى كل ذلك ، لعل مظاهر الانتفاضة المستمرة في الضفة الغربية تتمثل بتلك التظاهرات والمسيرات والصدامات المفتوحة التي تجري على امتداد جدار الضم والتهويد في الضفة ، والتي يطلق عليها" النضال الشعبي"او "الكفاح الشعبي" او "الاحتجاجات الشعبية" والتي يطلق عليها ايضا"الانتفاضة الشعبية الثالثة" ، فهذه الانتفاضة غير المسلحة لم تتوقف ابدا ، بل تحولت الى تقليد وروتين لدى الفلسطينيين ، ويضرب عليها امثلة حية ملموسة تجري في بلعين ونعلين و..الخ.
تشن دولة الاحتلال حربا قاسية على هذه الانتفاضة التي تتوقع دوائر الاستخبارات الاسرائيلية ان تتحول الى انتفاضة اوسع واقوى واشمل. ففي الأشهر الأخيرة ، بات العشرات من نشطاء لجان مقاومة الجدار والاستيطان في الضفة الغربية عرضة للملاحقات والاعتقالات والإقامة الجبرية والغرامات ، في مساعْ إسرائيلية معلنة لشل هذه اللجان التي انتشرت بصورة واسعة في القرى المتضررة من بناء الجدار والاستيطان.
وتحت عنوان "الانتفاضة الثالثة"كتبت عينات وايزمن في معاريف توثق:"نحن في ذروة الانتفاضة الثالثة ، وهي انتفاضة لا يعلم أكثر الاسرائيليين بوجودها ، يصعب تعريف الانتفاضة الثالثة لاول نظرة ، ولما كان يصعب تعريفها فان قمعها ايضا صعب ، هذه انتفاضة تتنكر في زي المهرجان: ان المظاهرات في الشيخ جراح ، وفي كل قرية اخرى ايضا تتم فيها مظاهرات في أيام الجمعة ، قد تبدو أحيانا مثل احتفال ملون - فهنالك عشرات المتظاهرين الفلسطينيين والدوليين المسلحين بالصفارات والطبول والاعلام ، لا يمكن دائما التمييز بينهم - فكثير من الدوليين واليهود مسلحون بكوفيات وبأعلام فلسطين وبهذا فان التجربة هي لجمع من الناس ملون مع صيحات وخطب وقرع طبول تصبح كتلة متجانسة واحدة للمقاومة".
مضيفة:"كانت الانتفاضة الاولى مفاجئة ، وكانت الانتفاضة الثانية ارتفاع درجة للمقاومة العنيفة وتميزت بأعمال" انتحارية وبارهاب".
وفي مقابلة هاتين الانتفاضتين ، للانتفاضة الحالية وسائل اخرى: فهي تستعمل وسائل مقاومة شرعية - مظاهرات غير عنيفة ، وأنباء الى وسائل الاعلام والقطيعة ، لكن التهديد المركزي للدولة هو الائتلافات الجديدة والقوية التي تنسج بين اليهود والفلسطينيين والدوليين ، لم يعد يوجد جواب واضح لسؤال من هو العدو ، وأين يمر الخط الذي يفصل بين "نحن" و "هم". لم ينجح سور الفصل في تقسيم العداوة الى مناطق جغرافية - فالعدو اليوم في الداخل والخارج وهو متملص وأشد ثباتا".
ويلمس القلق والانزعاج الاحتلالي من الانتفاضة الشعبية الثالثة ، من خلال تلك التهديدات التي وجهتها سلطات الاحتلال للسلطة الفلسطينية ، فنقلت صحيفة "هآرتس عن مصادر فلسطينية قولها "إن إسرائيل بعثت برسائل تحذير إلى السلطة الفلسطينية في رام لله ، تطالب فيها السلطة بلجم المظاهرات الشعبية التي تندلع في الضفة ، ومنع توسع المظاهرات إلى مواجهات عنيفة ، ووقف ما أسمته بـ"التحريض" التي تزامن مع المواجهات العنيفة التي وقعت في القدس" ، وجاء في رسائل التحذير أنه "في حال لم تفعل السلطة على لجم المظاهرات فإن ذلك سيؤدي إلى المس بتعاون إسرائيل مع السلطة ، وزيادة الحملات الاعتقالية في داخل المدن الفلسطينية ، وخاصة في مناطق "أ"".
وفي اطار الحرب الاحتلالية أعلن جيش الاحتلال عن الأراضي التي تقع بين بلعين ونعلين وبين جدار الفصل العنصري منطقة عسكرية مغلقة ـ عــ48ـرب 15 ـ 03 ـ 2010
وتجدر الإشارة إلى أن منذ سنوات يجري تنظيم مظاهرات أسبوعية في القريتين ضد جدار الفصل العنصري الذي يصادر معظم أراضي القريتين ، سقط فيها عدد من الشهداء وأصيب واعتقل المئات. وأسبوعيا تقع مواجهات مع قوات الاحتلال التي تحاول تفريق المظاهرات بالقوة ، خاصة وأنها تستقطب ناشطي سلام ومتضامنين دوليين.
تهديد غزة بمحرقة جديدة
ومن القدس والضفة .. ومن الانتفاضات الصغيرة والاحتجاجات والصدامات الى غزة هاشم ، حيث اثقلت مشاهد القتل الجماعي والتدمير البشع التي ألحقتها آلة الحرب التدميرية الإسرائيلية مجددا الذاكرة الوطنية الفلسطينية ...
فهدير الطائرات والدبابات والجرافات على امتداد مساحة القطاع لم يتوقف عن أهلها أبداً ..
وعربدة الوحدات الخاصة وأصوات التفجيرات الإرهابية المبيتة وصواريخ المروحيات والاغتيالات باتت تطغي على كل شيء فيها ..
والمعالم االحضارية التراثية التي كانت تتشابك لتصنع غزة هاشم بعبقها التاريخي ، أخذت تتحول إلى مشاهد من الركام .. وإلى جزء من التاريخ ..
إنها قصة المحرقة والبطولة الفلسطينية تتفاعل في قلب مدن وقرى ومخيمات القطاع ، وعلى امتداد مساحة فلسطين التاريخ والتراث والحضارة والاقتصاد والسياسة والنضال .. ،.
ولم تنته الحرب الاحتلالية عند المحرقة ، اذ واصلت فرض الحصار الشامل الظالم على اهل غزة على نحو تستهدف من ورائه اخضاع اهل غزة ..ولكن جذوة ارادة التحدي والصمود الفلسطينية بقيت متوهجة مستمرة..
ومن المحرقة الى الذكرى العاشرة للانتفاضة ، حيث وصف قائد كتيبة غزة التابعة لقيادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال العقيد ايل ايزنبورغ جولة القتال المقبلة التي قد تندلع في غزة بالعنيفة والدموية والقاسية والمعقدة ، لكنها ستشكل ضربة قاسمة ومدمرة لحماس مشبها الحرب المقبلة بالنسبة لاسرائيل واستعداها لتقديم التضيحات الكثيرة والغالية بـ"حرب الاستقلال 2010".
وعن هذا المشهد الغزي ، كان الراحل محمود درويش شاعر فلسطين والعرب قد عبر اعمق تعبير عن "غزة وروحها وصمودها وبطولاتها ومعنوياتها وجدارتها بالحياة" حينما كتب قائلا:"ليست لغزة خيول ، ولا طائرات ، ولا عصى سحرية ، ولا مكاتب في العواصم ، إن غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ، ومن غزاتها في وقت واحد ، وحين نلتقي بها ـ ذات حلم ـ ربما لن تعرفنا ، لأن غزة من مواليد النار ، ونحن من مواليد الانتظار ، والبكاء على الديار ، صحيح أن لغزة ظروفًا خاصة ، وتقاليد ثورية خاصة ، ولكن سرها ليس لغزًا ، مقاومتها شعبية متلاحمة ، تعرف ماذا تريد "تريد طرد العدو من ثيابها".
قد ينتصر الأعداء على غزة ، وقد ينتصر البحر الهائج على جزيرة ، قد يقطعون كل أشجارها ، قد يكسرون عظامها.. قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها ، وقد يرمون في البحر أو الرمل أو الدم ، ولكنها لن تكرر الأكاذيب ولن تقول للغزاة: نعم وستستمر في الانفجار.
لا هو موت ، ولا هو انتحار ، ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة".
اذن - هذا هو أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة ...،
وعن الجدارة في الحياة ليس هناك اجدر من اهل غزة في التعبير عنها...،
تراكم المؤشرات على انتفاضة جديدة
وفي ظل هذه المشهد المتخم بمؤشرات الغضب ونفاد الصبر الفلسطيني ، يرى مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبد القادر:"ملامح انتفاضة ثالثة قد تكون الاعنف في تاريخ الصراع" ، ويقرأ الأحداث الأخيرة قائلا:"الفلسطينيون لم يعدموا خياراتهم ، ومن ظن أن الفلسطينيين استسلموا فهو مخطئ. هذا شعب يقاتل ويناضل منذ مئة عام ، وقد قدم آلاف الشهداء والمعتقلين ، الوقت الراهن قد لا يكون مواتياً لانتفاضة ثالثة في ظل الانقسام الفلسطيني ، ولكن أرجو أن يكون هذا الانقسام سحابة صيف ، ورغم ذلك ، اعتقد أن الشعب الفلسطيني سيفجر انتفاضة جديدة ، لأن لا خيار أمامه سوى أن يبعث برسالة لإسرائيل ليؤكد أن لديه خيارات أخرى غير المفاوضات ، ومن بينها انتفاضة ثالثة قد تكون الأعنف في تاريخ الصراع".
اذن - هكذا هو المشهد الفلسطيني الراهن اليوم في الذكرى العاشرة النتفاضة الاقصى ، ولكن - في الوقت الذي تؤكد فيه مصادر فلسطينية رسمية "ان لا عودة لانتفاضة جديدة" ، و"ان السلطة لن تسمح بانتفاضة ثالثة" ، فان المعطيات على الارض في الضفة الغربية تنبىء بغير ذلك ، فالشعب الفلسطيني الذي فجر تلك الانتفاضة الكبرى الاولى عام 1987 ، والحقها بالانتفاضة الكبرى الثانية ـ 2000 ، احتجاجا على الاوضاع المأساوية وعلى المفاوضات العقيمة وعلى الاستيطان وجرائم الاحتلال ، يبدو انه في ذروة الغليان وهذه المرة ليس فقط على الاحتلال ، وانما على الفساد المستشري حتى النخاع ، وعلى حالة الانقسام النكبوي الذي يدمر المشروع الوطني التحرري الفلسطيني يوما عن يوم ، والاهم من كل ذلك ان الشعب الفلسطيني قد ضاق ذرعا وصبرا من الافق السياسي المغلق تماما ، وضاق ذرعا وصبرا من المفاوضات الفلسطينية الفاشلة ، وضاق ذرعا وصبرا من العقلية الفصائلية الكارثية التي تودي بالمشروع الوطني والاستقلال الى الهاوية...،
والمؤشرات التي تتحدث عن احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة تتزايد من يوم ليوم ، والتقديرات الاسخبارية الاسرائيلية ترجح ذلك ايضا...،
أيها الفلسطينى
فلنشعل نيران الغضب من جديد