دع الهم جانبا
كيف تنسي همومك
يقول الكاتب الشهير (ديل كارنيجي) سمعت عن طبيب يدعى الدكتور (فرانك لوب) أصيب بروماتيزم حاد أقعده عن الحركة فظل ملازما فراشه ثلاثا وعشرين سنة ولما زرته أخيرا لم أر رجلا أكثر منه بشرا وطمأنينة وأبعد عن الأسى والهم .
لقد جمع أسماء وعناوين مرضى آخرين مثله قضى عليهم القدر ألا يغادروا أسرتهم وراح يكتب لهم رسائل تفيض إيمانا وتشجيعا وتفاؤلا ومرحا ، ولم يمضي وقت طويل حتى تألفت منهم جماعة كبيرة من مختلف البلدان ، يكاتب الواحد منهم الآخر ويحدثه في الأدب والعلم والفلسفة والدين والفن ، بحيث أحسن الدكتور لوب أنه يحي لغرض وأن له في الحياة رسالة ، لم يعفه منها مرضه ، لذلك لم يستسلم للضعف والأسى واليأس .
كذلك قال كارنيجي انه قد حدثته صديقة له قالت
(منذ خمس سنوات ، تملكني هم وحزن قبيل عيد الميلاد ، كادا أن يقتلاني ، وكان أول عيد ميلاد أقضيه بعيدة عن زوجي الذي مات فجأة ، بعد سنوات قضيتها في كنفه سعيد هانئة ، وقد رفضت دعوات كثيرة لقضاء ليلة عيد ميلاد مع أصدقائي وأقاربي لأنني أردت أن أخلو لأحزاني ، وفي اليوم السابق للعيد تركت مكتبي في الساعة الثالثة بعد الظهر ورحت أتجول لغير ما هدف في الشوارع التي كانت تزخر بجموع مرحة مبتهجة فأعادت رؤيتها إلى ذهني ذكرى السنوات السعيد الخوالي التي قضيتها مع زوجي ، فانفجرت باكية) .
وبعد أن سرت نحو ساعة وجدت نفسي أمام محطة أتوبيس للضواحي ، فركبت السيارة ، وأنا في شبه غيبوبة لم أفق منها إلا حين صاح قارض التذاكر (هنا آخر محطة ) .
نزلت وأنا لا أعرف اسم الضاحية التي نزيت فيها ، ولكنني وجدت مقعدا تحت شجر فجلست عليه ، وأخذتني سنة نوم ، أفقت منها على صوت طفلتين تقولان
(لابد أن سانتا كلاوس قد أرسل هذه السيدة إلينا) . وفتحت عيني فوجدت طفلتين في ثياب رثة ، وفهمت من حديثهما معي أنهما يتيمتان تقيمان في ملجأ قريب وقد أنساني حديثهما همومي .
وبدأت أفكر في نعمة العطف الأبوي التي لم احرم منها في طفولتي وأخذت الطفلتين إلى الملجأ حيث تبرعت بثمن وجبة العشاء ساهمت في إعدادها، وأكلت مع الأطفال أكل ممتعة أعقبتها حفلة سمر صغيرة بددت كل أفكاري القاتم السوداء ، وقد دلتني هذه التجربة على أننا حين نعطي نأخذ ،وأننا حين نساعد الغير ونهتم بهم نفهر الهم مهما كان شديدا .
إن ثلث مرضى النفس بل والجسم يعود سبب عللهم إلى إحساسهم بفراغ حياتهم وتفاهته ولو أنهم عنوا بالتفكير في مساعدة الغير وخدمتهم لبرئوا من أمراضهم ،ومهما كانت حياتك وظروفك ،فانك ستقابل كثيرين في كل يوم في حاجة الي كلمة تشجيع ، أو, إحساس بمشاركتك لهم في أفراحهم وأحزانهم .
فكر في ساعي البريد وبائع الجرائد وصبي بائع الخضر وماسح الأحذية إن لهم متاعبهم وأحلامهم ومطالعهم الخاصة .
وهم جميعا في حاج إلى من يتطوع لمشاركتهم فيها وإشعارهم بأنهم أناس لهم قيمتهم ورسالتهم في الحياة ، ولا داعي لأن تكون مصلحا اجتماعيا كبيرا أو مليونيرا حتى تؤدي شيئا نافعا ، انك تستطيع في عالمك الخاص أن تفعل الكثير ، ابدأ غدا صباحا بالتفكير في إشعار من تلقاهم باهتمامك بهم بوسيلة او بأخرى، فتجد متعة نفسية كبير ، فأنت حين تكرم الآخرين وتخدمهم ، تكون قد أكرمت نفسك وخدمتها .
[u] اصنع خيرا تلق خيرا[/
u]حدثني أحد أساتذة الجامعة قال
( إنني لا اذهب إلى فندق أو دكان أو حلاق أو متجر دون أن أقول شيئا مناسبا لكل من ألقاه، أشعر به أنه إنسان حي له كرامته وليس آلة صماء ... فأنا أسال الحلاق عن بيته وعمله وأحيانا أصافح الحمال الذي حمل حقائبي ، وحين ألقي الذي لا أعرفه ، في الطريق ومعه كلب جميل ، اثني على حسن اختياره للكلب وأظن أنني بعد أن ابتعد عنه بخطوات ، يمسح الرجل ظهر الكلب إعجابا به ، إن تقديري للكلب يجدد تقديره له ) .
صافح من استطعت من الناس ووزع ابتسامتك على من تلقاهم سواء تعرفهم أم لا إن المثل الصيني يقول ( إن أريج الزهور يلتصق دائما باليد التي تقدمها ) .
إذا كان علينا أن نجمل الحياة في نظر الغير ، فعلينا إذن أن نسرع بهذا العمل ، فالحياة قصيرة والفرص التي تمر قد لا تعود ، أسرع بفعل الخير الذي تريد أن تفعله الآن ، وتأدية الخدم التي تريد أن تؤديها ، أنسى نفسك عن طريق الاهتمام بغيرك ، وأفعل كل يوم صنيعا طيبا يبعث الابتسامة على امرئ تلقاه سواء أكنت تعرفه أولا تعرفه .