الإســراء
والمعـــراج
أسرى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ,
راكباً على البراق , صحبه جبريل عليهما الصلاة والسلام , فنزل هناك , وصلى
بالأنبياء إماماً , وربط البراق بحلقة باب المسجد .
ثم عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا , فاستفتح له جبريل ,
ففتح له , فرأى هنالك آدم أبا البشر , فسلم عليه , فرحب به , ورد عليه
السلام , وأقر بنبوته , وأراه الله أرواح الشهداء عن يمينه , وأرواح
الأشقياء عن يساره .
ثم عرج به إلى السماء الثانية , فاستفتح له , فرأى فيها يحيى بن زكريا
وعيسى بن مريم , فلقيهما وسلم عليهما , فردا عليه , ورحبا به , وأقرا
بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء الثالثة , فرأى فيها يوسف , فسلم عليه , فرد عليه
ورحب به , وأقر بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء الرابعة , فرأى فيها إدريس , فسلم عليه , ورحب به ,
وأقر بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء الخامسة , فرأى فيها هارون بن عمران , فسلم عليه ,
ورحب به , وأقر بنبوته.
ثم عرج به إلى السماء السادسة , فلقى فيها موسى بن عمران , فسلم عليه ورحب
به , وأقر بنبوته.
فلما جاوزه بكى موسى , فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكى لأن غلاماً بعث من
بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتى .
ثم عرج به إلى السماء السابعة , فلقى فيها إبراهيم عليه السلام , فسلم عليه
ورحب به , وأقر بنبوته.
ثم رفع إلى صدرة المنتهى , ثم رفع له البيت المعمور .
ثم عرج به إلى الجبار جل جلاله , فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى ,
فأوحى إلى عبده ما أوحى , وفرض عليه خمسين صلاة , فرجع حتى مر على موسى ,
فقال له : بم أمرك ؟ قال بخمسين صلاة , قال : إن أمتك لا تطيق ذلك , ارجع
إلى ربك فسأله التخفيف لأمتك , فالتفت إلى جبريل , كأنه يستشيره فى ذلك ,
فأشار : أن نعم , إن شئت , فعلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى ,
وهو فى مكانه هذا لفظ البخارى فى بعض الطرق فوضع عنه عشرا , ثم أنزل حتى
مر بموسى فأخبره , فقال : ارجع إلى ربك فسأله التخفيف , فلم يزل يتردد بين
موسى وبين الله عز وجل , حتى جعلهما خمسا , فأمره موسى بالرجوع وسؤال
التخفيف , فقال : قد استحيت من ربى , سولكنى أرضى وأسلم , فلما بعد ناد
مناد : قد أمضيت فريضتى , وخففت عن عبادى .
وقد رأى ضمن هذه الرحلة أموراً عديدة :
عرض عليه اللبن والخمر , فاختار اللبن , فقيل هديت الفطرة أو أصبت الفطرة ,
أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك .
ورأى أربعة أنهار فى الجنة : نهران ظاهران , ونهران باطنان , والظاهران هما
النيل والفرات , ومعنى ذلك أن رسالته ستتوطن الأودية الخصبة فى النيل
والفرات , وسيكون أهلها حملة الإسلام جيلاً بعد جيل , وليس معناه أن مياه
النهرين تنبع من الجنة .
ورأى مالك خازن النار , وهو لا يضحك , وليس على وجهه بشر وبشاشة , وكذلك
رأى الجنة والنار .
ورأى أكلة أموال اليتامى ظلماً لهم مشافر كمشافر الإبل , يقذفون فى أفواههم
قطعاً من نار كالأفهار , فتخرج من أدبارهم .
ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة , لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن مكانهم
ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم .
ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث
المنتن , ويتركون الطيب السمين .
ورأى النساء اللاتى يدخلن على الرجال من ليس من أولادهم , رآهن معلقات
بثديهن .
ورأى عيراً من أهل مكة فى الذهاب والإياب , وقد دلهم على بعير ندّ لهم ,
وشرب ماءهم من إناء مغطى وهم نائمون , ثم ترك الإناء مغطى , وقد صار ذلك
دليلاً على صدق دعواه فى صباح ليلة الإسراء .
فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى قومه أخبرهم بما أراه الله
عز وجل من آياته الكبرى , فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه ,
وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس , فجلاه الله له , حتى عاينه , فطفق يخبرهم
عن آياته , ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئاً , وأخبرهم عن غيرهم فى مسراه
ورجوعه , وأخبرهم عن وقت قدومها , وأخبرهم عن البعير الذى يقدمها وكان
الأمر كما قال , فلم يزدهم ذلك إلا نفورا , وأبى الظالمون إلا كفورا .
يقال سمى أبو بكر رضى الله عنه صديقاً , لتصديقه هذه الوقعة حين كذبها
الناس .