عاد الفلاحون الى بيوتهم بعد نهارعمل في حقولهم ، وعاد حمد الخلايلة الى منزله في قرية سخنين بعد ان جمع الكوسا والخيار والفقوس من ارضه في السهل المجاور ، وعاد معه جاره وابن جاره رافت الزهيري اللذان جمعا محصولهما الوفير من البطيخ ، كان البطيخ لا مثيل له حلو الطعم احمر اللون ، بزره كبير، كل القرى المجاورة وكل المدن العربية في فلسطين كانت تطلب بطيخ(سهل البطوف)وخيار (فقوس) اراضي الجليل الاعلى المجاورة.
ولم يكد الرجال يعودون لبيوتهم حتى جاء المختار يدعوهم للاجتماع لامر هام وعاجل . وعلى الفور ترك الرجال بيوتهم وهرعوا الى مضافة المختار ، كان المختار متجهم الوجه مكهرب الجسد ، ينتفض لايدري كيف سيحدّث رجال القرية بالمصيبة التى ستقع على رؤوسهم . واحس الجميع ان هناك امرا خطيرا تكاد عيون المختار تتحدث به …
قال المختار: يا شباب ! اليوم وصلني امر من الحكومة الاسرائيليه عن مشروع اسمته الحكومة (مشروع تطوير الجليل) وهذا يعني – بالعربي الفصيح – انها ستصادر (مائتي دونم ) من الاراضي العربية هنا في الجليل ، اي اراضيكم واراضينا واراضي القرى المجاورة وستبني عليها ثماني قرى صناعية يهودية.
وذهل الجميع ،وساد الصمت العميق القاعة ولم يعد احد بامكانه التصور ؛ وماذا سيتصورون ؟ هل سيتصور احدهم منظر ارظه التى طالما زرعها وقطف محصولها هو وابوه وجده وابناءه ، قد سيجها العدو يسياج يمنعه من دخولها بعد اليوم ؟ هل سيتصور احدهم منظر عائلته تشتري الخضار والبطيخ بعد اليوم من اليهود بعد ان منعوهم من زراعة اراضيهم ؟ وعل سيتخيل احدهم القرية (سخنين ) وقد اصبح العيش فيها صعبا وبلا مورد زراعي ، ثم يرى العصابات اليهودية تاتي لتحتل المنطقة وتهدم بيوتهم ، ثم تبني بدلا منها مستوطنات يهودية ؟ الله ما اصعب هذه الحياة ولله ما اقسى هذا المحتل !
والحل يا مختار ؟ … ماذا سنفعل؟ صاح (حمد الخلايله) يقطع صمت الناس ويهز بصوته جدران المضافة … نحن هنا فى قرى الجليل حافظنا على اراضينا ولم نتركها حتى عندما هاجر اخواننا في مدن يافا والرملة وحيفا واللد من اراضيهم . نحن لم نهاجر وطول عمرنا ونحن نزرع ونفلح هذه الاراضي و (سهل البطوف) هذا ،طول عمرنا ونحن نعرق فيه . ان اليهود قد اخذوا اراضي كثيرة فلماذا يلاحقوننا نحن على اراضينا التي نعيش فيها ولها؟؟
وكما كان في مضافة المختار ؛ كان في المراكز البلدية والقروية لكل قرى الجليل والمثلث والنقب ، اجتماعات تناقش الموضوع نفسه . وكان القرار في كل القرى والمدن انه لابد من القيام باضراب سلمي في 30/3/1976 تعبيرا عن رفض هذه السياسات الاسرائيليه .
وفي الايام والاسابيع التالية بدات الاجتماعات في القدس العربية تتوالى تحضيرا لهذا اليوم . وسموه (يوم الارض) تعبيرا عن تمسكهم الشديد بالارض . وفي الايام والاسابيع التالية ايضا بدات السلطات الاسرائيلية حملاتها المسعورة ضد المواطنين العرب . تريد ايقافهم عن القيام باي عمل من شانه – حتى ولو كان سلميا- ان يعتبر بداية انتفاض وتحرك لعرب منطقة الجليل الذين احتلتهم القوات الاسرائيلية منذ عام 1948.
جمع مختار (سخنين) ابناء القرية وقال لهم :
يا شباب ، كل يوم ومندوب الحكومة الاسرائيلية قادم الى قريتنا . كل يوم يقول كلاما مختلفا . تارة يهددنا اذا قمنا بالاضراب وتارة يحاول ان يقنعنا بالعدول عنه ، فماذا تقولون؟
هب حمد الخلايله و محمد الزهيري وقال: فليذهب الى الجحيم ؛ اننا قررنا ولن نتراجع عن قرارنا .
ولكن الحكومة الاسرائيلية ايضا قررت وهي لن تتراجع عن قرارها ؛ فهي هنا الاقوى وهي التي يجب ان تتكلم وتفعل فقط .. وفي ليلة ما قبل الاضراب في 29/3/1976 تحركت الدبابات والمجنزرات الاسرائيلية تحمل عشرات الجنود المدججين بالسلاح الى قرى (سخنين ودير حنا وكفر كنا وعرابة بطوف) .
واخذ الجنود الاسرائيليون يطلقون النار في كل اتجاه. هجموا في الليل واخذوا يحطمون النوافذ والابواب ويلقون القنابل المسيلة للدموع ، ثم وبعد ساعات من الاعتداء المتواصل فرضوا منع التجول في كل القرى!
وفي الصباح التالي يوم الاضراب 30/3/1976 خرج ( حمد الخلايله) وابنه (خضر) يطلان من باب الدارتجاه جارهم (الزهيري) .. وخرج الزهيري وابنه رافت يطلان على الشارع العام
وبعد دقائق اذ بكل الابواب تفتح ليخرج منها سكانها واحدا وراء الاخر الى الشارع العام .. فلا منع تجول ولا دبابات اسرائيلية … ولا بطيخ..!!
وقامت الانتفاضة الكبرى ، وفقدت الحكومة الاسرائيلية صوابها .. واخذ الطلاب يجوبون الشوارع ويطلقون الاناشيد الوطنية …. وتركوا بيوتهم ونزلوا الى الشوارع يعلنون رفضهم .. والموظفون والعمال تركو بيوتهم وانضموا الى المظاهرات… وعلى راس الجميع : اصحاب الاراضي المسروقة.. هم ونساؤهم واطفالهم.
وبقدر الاحتجاج كان الضرب … وفي (سخنين) كان اول من استشهد (خضر بن حمد الخلاليلة) !وبعدها سقط (رافت الزهيري) ! وبعدها سقط (رجا ابو ريا) ..ثم (خديجة شواهنة) .. ثم اعتقلت السلطات اليهودية الباقي لمحاكمتهم .. في خلال ساعات لم يكن ثلاثة ارباع سكان القرى في بيوتهم .. كانوا اما جرحى او معتقلين او قتلى .
وكان ذاك هو يوم الارض…. وكنا كل سنة في 30/3 نحيي الذكرى لانتفاضة الارض وشهداء الارض…
ومنذ ذلك اليوم ونحن نحتفل بذكرى يوم الأرض ونحييه من جديد، حيث اعتبر يوم للثورة والتحدى فى وجه المحتل والصمود فى وجهة ومجابهتهوانه يوم ككل أيامنا وسنينا وساعات وأوقات حياتنا على هذه الأرض عبارة عن كفاح وتحدى ولكنه له وقع خاص . وحتى اليوم لايزال هذا اليوم يوما للمصادمات مع اليهود والجيش والاعتصام والتظاهر والمقاومة والتشبث بالأرض واحتضانها ولو من بعييييييييد ! وانها لثورة حتى النصروالسلام ختام