عندما تتحكم البيروقراطية في
زمام الأمور..
بطالون بشهادة ماجستير .. ودخلاء يحتكرون المناصب وتطالهم الترقيات
عندما تتحكم البيروقراطية هذا الداء الطفيلي في
المجتمع في كل أمور حياتنا وفي
شتى المجالات وتحتل الصدارة في كل المسائل
المتعلقة بالعمل،التوظيف والترقية، فإن معادلة الحياة السوية التي تؤكد أن
العمل هو أساس النجاح تتغير رأسا على عقب، لتصبح بذلك البيروقراطية أو ما
يعرف لدى العامة بـ "المعريفة" هي الوسيلة الناجعة لتحقيق التفوق لاسيما
إذا تعلق الأمر بأشخاص نالوا من العلم الحظ الوفير لكن للأسف لم يبرحوا
أمكنتهم ولم يتقدموا خطوة واحدة نحو سلم النجاح لأنه وبكل بساطة سلبت
البيروقراطية كل حظوظهم في ذلك .
واقع كارثي أسود قاتم ينذر بمستقبل
أكثر قتامه لكن يا ترى أين يكمن الحل، مما لا شك فيه أن الحل الوحيد يكون
بالقضاء على هذه البيروقراطية أو وأدها في مهدها ودفنها في مقبرة اللاعودة،
وهو الأمر الذي سيكون طبعا في غاية الصعوبة دون أدنى شك .وفي خضم بحثنا
هذا اقتربنا من أصحاب الشأن الذين رغم كفاءتهم وتفوقهم العلمي أبت
البيروقراطية إلا أن تحطم أحلامهم على طريقتها الخاصة.
بيروقراطية كاسحة
وإطارات مهمشة
«عادل»30 سنة متخرج من كلية العلوم السياسية بشهادتي
ليسانس وماجستير رغم ذلك فهو بطال بامتياز، استنزف كل وقته وجهده في سبيل
الظفر بمنصب عمل والسعي لارتياد سلم الناجحين في وطنه، لكن ذلك لم يتحقق
ولن يتحقق حسب رأيه، ليسترسل أن ما يدفعه إلى اليأس والاستسلام بهذه
الطريقة هو استحواذ مناصب العمل من قبل الدخلاء على العلم في حين تهمش
الكفاءات.
«دليلة»32 سنة حاصلة على شهادتي ليسانس وماجستير هي الأخرى
من معهد الإعلام والصحافة بالعاصمة، لم تتمكن لحد الآن من الحصول على منصب
عمل في الجامعة كأستاذة أو في المجال الإعلامي رغم شهادتها وكفاءتها، وهي
التي كانت الأولى على مستوى الدفعة أيام دراستها، لكن تجري الرياح بما لا
تشتهي هي وأمثالها، لأن البيروقراطية أعلنت عن قوتها لتقف حجر عثرة في طريق
ذلك، هذه المتعلمة الإطار التي من المفروض أن تكون أستاذة أو إعلامية هي
ماكثة في البيت تنتظر فرصة زواج تطرق بابها بعد أن رفعت الراية البيضاء
واستسلمت لهذه البيروقراطية التعسفية.
وهو ما حدث كذلك لـ «سامية»29
عاما تحصلت على شهادتي الليسانس والماجيستير من كلية الأدب واللغة العربية
من «جامعة الجزائر»، غير أن الأمر لم يشفع لها للحصول على فرصة عمل في أي
مؤسسة تربوية رغم أنها عمدت إلى إجراء كل المسابقات وتقدمت بملفها على
مستوى كل المؤسسات التي تبحث عن موظفين لكن لا حياة لمن تنادي، فالأمر تخطى
إمكانياتها وكفاءاتها التي تغلبت عليها البيروقراطية، ورغبة منها في عدم
تضييع الوقت سدى، تزوجت وكونت أسرة وهي لا تزال تنتظر تحقيق غايتها في
العمل.
الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب
من جهة أخرى يؤكد
الكثير من العاملين المتعلمين في بعض المؤسسات على أن فئة ليست بالقليلة
التي لا تملك أي شهادة جامعية ولم يتعدى مشوارها التعليمي المراحل
الابتدائية أو أطوار المتوسط هي من تحتل المراكز المرموقة داخل الإدارات
والمؤسسات وهي التي تمسها الترقيات المختلفة، في حين يقبع أصحاب الكفاءات
والشهادات الجامعية العليا في أماكن لا تتوافق أبدا مع مستواهم العلمي ولا
تطالهم الترقيات رغم استحقاقهم لها في مرات كثيرة وذلك كله ببسب "المعريفة"
أو"البيسطو" الذي يتحكم في ذلك. فالسيد «محمد»57 سنة عامل في إحدى
المؤسسات العمومية، الذي يحاول تسريع وتيرة تقاعده بعد أن ضاق ذرعا ومرض
على حد قوله مما يحدث، حيث يؤكد أنه شاهد على عدة حالات غير مقبولة على
الإطلاق داخل هذه المؤسسة التي لا تعتمد على معايير الكفاءة والمستوى
العلمي والإخلاص في عملية التوظيف والترقية ليفصح بكل أسى أن مراكز السلطة
والقرار في إداراتنا الوطنية هي بيد أشخاص لا علاقة لهم بذلك المنصب، لكنهم
استنفذوا كل معارفهم ونفوذهم للوصول إليه على حد قوله وهو ما يراه أمرا
مؤسفا خاصة في ظل وجود كفاءات وإطارات لديها شهادات عليا بيد أنها تعمل في
أماكن لا تليق بكفاءتها، تذمر السيد «محمد» وعجزه عن فعل أي شيء دفعه إلى
التعجيل في عملية حصوله على التقاعد حتى يرتاح من مشاهدة كل هذا الظلم
والتعسف.عامل آخر في أحد المراكز الثقافية، يؤكد أن نائب المديروالمكلف
بالمحاسبة داخل المركز إنسان لا يعرف كتابة طلب خطي ولا تحرير رسالة ولا
يجيد حتى الحساب ولا كتابة رصيد حسابي ، لكنه رغم ذلك فهو يستحوذ على منصب
نائب المدير الذي من المفترض أن يكون من نصيب شخص آخر يتصرف على أساسه،
خاصة وأنه يصدر قرارات تعسفية في الطرد حسب أهوائه ورغباته ، كما أن الجميع
يعلم بذلك ولأن مواقفهم سلبية دائما لم يتغير أي شيء بل قد يتطور الأمر
لاحقا ليصبح هذا الشخص هو المدير وهو أمر وارد جدا.
البيروقراطية داء
يصعب القضاء عليه
من جانبه، أكد الأستاذ «محمد بن عمري» المتخصص في
الدراسات الاجتماعية على أهمية هذه القضية الحساسة السلبية ونتائجها
الكارثية، حيث أفصح لـ "الأيام" أن البيروقراطية لم تعد مجرد إشكال يمكن
حله مع مرور الوقت، بل القضية أعمق من ذلك بكثير لأنها أضحت نمط تفكير يسكن
ذهنيات كل الجزائريين الذين باتوا يرون في البيروقراطية الحل الأمثل لكل
مشكلاتهم والطريق الأسهل لتحقيق رغباتهم حتى تلك التي لا يمكنهم الوصول
إليها إذا اعتمدت المعايير القانونية ليضيف الأستاذ أن القضاء على هذا
الداء الكبير لن يتأتى بسهولة وهو الأمر الذي يتطلب جهودا كبيرة وقطع أشواط
ومراحل طويلة من أجل التخلص من هذه الظاهرة السلبية.
يامنة بن راضي