''مصر''.. لعبة إسرائيلية
إذا كانت مصر السادات قد خرجت عن الإجماع العربي، وخذلت الأمة، بالتوقيع على اتفاقيات السلام مع إسرائيل والتضحية بالقضية الفلسطينية، ومباشرة التطبيع مع هذا العدو الغاصب للأرض المستبيح للعرض، مقابل استرجاع أرضها المحتلة دون بقية الأرض العربية الأخرى، ووعود بمساعدات مالية، فإن مصر مبارك انتقلت إلى مرحلة العداء والتآمر على الفلسطينيين والأمة جميعا، وارتضت لنفسها أن تطبق الإستراتيجية الإسرائيلية والتعليمات الأمريكية لمحاصرة الفلسطينيين والمساهمة في تجويعهم، وتركيعهم للقضاء على المقاومة ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية وفق المنظور الإسرائيلي، مقابل حفنة دولارات وحماية النظام من الشعب المصري..
القاهرة من التواطؤ.. إلى العدوان المباشر
ما كاد الناس ينسوا الدور المخزي الذي لعبته مصر أثناء العدوان الصهيوني على عزة في مثل هذا الوقت من العام الفائت، وتحالفها وتواطؤها مع إسرائيل ضد الفلسطينيين بإحكام الإغلاق والحصار ومنع دخول المساعدات حتى الإنسانية منها لتوفير أسباب نجاح العدوان وتمكين الجيش الإسرائيلي من القضاء على المقاومة في أسرع وقت وبأقل الخسائر، حتى فاجأتهم القاهرة بالانتقال مرة أخرى إلى مرحلة أعلى من الخيانة والتآمر هذه المرة بإقامة جدار فولاذي عازل ومانع كي لا يتمكن الفلسطينيون من التنفس عبر أنفاق اتخذوها مخرجا من الإغلاق الذي تحكمه مصر وإسرائيل عليهم، لإدخال رغيف خبز أو سلاح للدفاع عن النفس..
ومن المضحكات المبكيات أن مصر بعد أن حاولت أن تنفي ذلك ليقينها بأن ما تقوم به هو أكبر عدوان يمكن أن تشنه على قطاع غزة، وبعد أن عُرف السر، بررت ذلك بأنه قرار سيادي يتعلق بالأمن القومي وأنها حرة في سياستها الداخلية.. وهذه شعارات أصبحت السلطات المصرية ترددها في كل مناسبة ومن دونها، وتتستر بها في الجد واللعب.. فمقابلة كرة القدم التي أجريت مع الجزائر اعتبرتها السلطات المصرية آنذاك: ''هدفاً استراتيجياً وقومياً تستحق الالتفاف حولها وحول الهدف من ورائها''..!؟، وقرار منع دخول قافلة شريان الحياة الأسبوع الفائت كان أيضا قرارا استراتيجيا سياديا للحفاظ على الأمن القومي المصري..!؟
... السياسة وثقافة ''الغيط''
يا سلام على السيادة والأمن القومي.. إسرائيل تفرض على مصر عدد العساكر الذين تنشرهم على حدودها داخل التراب المصري، وهذا لا يدخل في السيادة التي تحرص عليها القاهرة، وأمريكا تأمرها بإقامة الجدار الفولاذي وهذا لا يدخل في استقلالية القرار المصري ولا يمس سيادتها على أراضيها، ومصر تعادي إيران بتعليمات من إسرائيل بحجة أن نزعة إيران النووية تهدد أمن المنطقة وإسرائيل الملاصقة لمصر والتي تملك ترسانة نووية تكفي لتدمير الأرض، لا تشكل خطرا على أمن مصر القومي ولا على سيادتها..
لقد اتخذت السلطات المصرية الشعب المصري هزؤا، واستحمرته وظنت واهمة أنها نجحت في ذلك وبأن المصريين يصدقون تخاريفها وأراجيفها التي لا تقنع ساذجا، فانتقلت بنفس العقلية والغباء لاستحمار واستغباء الرأي العام العربي والعالمي بمبررات وتفسيرات ''كوميدية'' تدينها وتفضحها وتكسبها السخرية والعطف جراء الإفلاس السياسي الذي أصابها أمام الانهيار الحر لسياستها الداخلية والخارجية وتحولها صاغرة لتنفيذ سياسات إسرائيلية أمريكية..
الجدار قرار إذعاني.. لا سيادي
فلو تحجج المسؤولون المصريون بغير الأمن القومي، والسيادة والاستراتيجية لتفهمهم الناس ولالتمسوا لهم الأعذار، ذلك لأن هذه العبارات كبيرة عليهم وتمثل النقيض الصارخ لما هو حاصل على الأرض.. لكن الله يريد ألا يجعل لهم حظا في الآخرة.. فالكل يعلم أن سيادة مصر مرهونة باتفاقيات كامب دافيد، وشرفها مرتبط بحفنة دولارات تمنحها لها واشنطن وتساومها بها كل عام، وأمنها القومي تحت رحمة ترسانة إسرائيل النووية، تعبث به كما تشاء..
وتلك هي الدوافع الحقيقية والأسباب المباشرة التي تفسر تواطؤ مصر مع إسرائيل ضد الفلسطينيين واجتهادها في تطبيق الأوامر الأمريكية وتنفيذ التعليمات الإسرائيلية، وليس السيادة ولا الأمن القومي ولا هم يحزنون، لأن ما تقوم به مصر في آخر المطاف ما هو إلا طعن في سيادتها، وتضحية بأمنها، ورهن لمستقبلها ومغامرة غير محسوبة العواقب بالسلم الأهلي لأنها لا تزيد الداخل إلا غليانا ضدها، والخارج سخطا عليها، وإدانة لها..
إنما يحاصرون.. أنفسهم
فالذين يحاصرون المقاومة التي تدافع عن الشرف ويشترون بها ثمنا قليلا، لن يضروها في شيء، إنما يضرون أنفسهم في الدنيا والآخرة، إنهم يحاصرون أنفسهم بأسوار الخذلان التي يقيمونها في كل مكان ستخنقهم الأسوار وتسجنهم الجدران وإن غدا لناظره لقريب. .إنهم اتخذوا اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين، وأتوا الإثم والمعاصي من كل أبوابهما. ولم يكتفوا بأن تعدوا حدود الله، فأوغلوا في ارتكاب المحرمات إرضاء لأمريكا وخدمة لأمن وبقاء إسرائيل، فبناء الجدار وبالإضافة لكونه تآمر ضد الفلسطينيين وعدوان عليهم وبالتالي جريمة في حق الإنسانية، فإنه محرم شرعا بحكم العلماء وفتاويهم وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين..
على من تقرأ فتاويك يا قرضاوي
لكن على من تقرأ فتاويك يا قرضاوي، أعلى حاكم ظالم لم يسلم الناس من ظلمه، أو على سلطة جائرة لم تسلم أنت من جورها، أو على بطانة سوء زادت مصر سوءا على سوء.. أم على شعب مغلوب قهره الظلم والقمع والإقصاء والتجويع، أم على حكام همهم الكرسي وبعده الطوفان، أم على أمة نائمة في بلهنية مستسلمة لوهنها.. أم على عالم ألغى ضميره وتخلى عن إنسانيته، وآمن بقدسية إسرائيل... أم على أحرار بح صوتهم، وكُسرت شوكتهم في هذا الزمن الأمريكي الرديئ!؟ فلا أمل إلا في هؤلاء المرابطين في جنبات البيت، فكلما اشتد الحصار وعلت الجدران كلما اقترب الفرج، فلا يتسع الأمر إلا إذا ضاق ولو كره الإسرائليون ومن والاهم من مصر وغيرها.. ¯
منقول:
نشر بتاريخ 01-01-2010 عن اسبوعية الخبر