أخرج الشيخان عن إبن عمر رضي الله
عنهما عنه عليه السلام قوله “الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة “. وورد في روايةأخرى ” لا تكاد تجد فيها راحلة “.
أجدد الدعوة إليك بحفظ الحديث فهومتفق عليه وشواهده من القرآن الكريم كثر منها قوله ” وما أكثر الناس ولو حرصتبمؤمنين ” و” ما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ” و” قليل ما هم “و” ثلة من الاولين وقليل منالاخرين ” وغيرها كثير .
1 ـ ما معنى الراحلة التي يعز وجودها بين الناس ؟
2 ـ ماهي الاسباب لذلك وما تفسير ذلك هل هو اليأس من الناس املحكمة في ندرة الرواحل؟
الجملة إسمية تسمي شيئا محدداوتخبر عنه فهي تقريرية لحال ما وسواء أثبتنا ” لا تكاد ” أو لا فإن المعنى لايتغيرفليس المعنى أن الراحلة في الناس لا وجود لها مطلقا ولكن المعنى ندرتها حتىمع حذف ” لا تكاد “.أما وجه الشبه بين الناس وبين الابل فكثيرة منها أن كليهمايعول عليه في إنجاز ما تتطلبه الحياة فوق الارض بما زودا به من قدرة على الصبروتجديده وبما فطرا عليه من بطء في الحركة البدنية مقارنة مع مخلوقات أخرى كثيرةغير أنه بطء لو تراكم وتتالى ولو بتقطع تفرضه حالة إستراحة المحارب وقيلولة الكادحكفيل بوصول منتهاه بعد أمد وبما جبلا عليه من قدرة على التفاعل والتأقلم مع سائردروب الحياة ومنحنياتها من عز وذل وضعف وقوة ولاشك أن التمثيل بالابل يومها هوكتأثير الفنون اليوم فليس كالعرب أعرف بالابل والخيل ولمن يعرف حال الابل فإن وجودالراحلة فيها ضمان لتآلفها وتجانسها وإنضمامها إلى بعضها بعضا حال الرعي وحالالظعن ولسر مازال مدفونا لم تبح به آية “سنريهم آياتنا …”قال جل من قائل
“أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت ” فهل رأى واحد منا كيف خلقتالابل ويوم يرونها تظل تلك آية لها الاعناق خاضعة غير أنه لكل أجل كتاب ولا ينبئكمثل خبير
ماهي راحلة الناس ؟:راحلة الابليستخدمها صاحبها لغرضين وهما تخصيصها دون غيرها من سائر الابل ولو كانت مائة لحملالرحل من أناسي وأمتعة فتشق به عباب محيطات لا شطآن لها من الرمال الثابتةوالمتحركة في سراء يزيدها فيه حاديها صبرا على الالم وأملا في قيلولة هنيئة ومعذلك فإن الراحلة لو حطت بمكان بليل مثلا مرة في عمرها فإنها كفيلة بالرجوع إليهولو بعد عقود كلما وجهها حاديها صوبه وهذا مجرب ومعروف شأنها في ذلك شأن الكلب اذليس للابل من طرق سيارة ولا عادية تهديها إلى مبتغاها في بيداء قاحطة لا يعمرهاعلى مد البصر ردحا بعد ردح سوى كثبان من الرمال كالجبال .لا بل يقول أصحاب الابلبأنها تتعرف على الطقس المنتظر سويعات قبل حدوثه فتسرع لو غشيتها نسائم المطر وكذالو لفحتها أنواء الهجير وهي تمخر عباب الصحراء في يم ليل ضن عليها ببدر غار منزلهفغاب أو حجبته سحب متلبدة.كما يستخدم الحادي راحلته بغرض لم شتات الابل سواء فيالرعي سيما حال حدوث ما يعكر صفو المرعى أو في السير والانتقال من مكان إلى آخروهو أمر قد يدوم شهورا طويلة إذ عادة ما يمتطي الحادي صهوة الراحلة فيتقدم الابلوهي تظل تتبع في طاعة لا تعرف النشوز . فراحلة الابل هي إما قوية على حمل الرحلبصبر وثبات أمينة على بلوغ هدفها حتى لو إرتاب صاحبها فيه أو هي هادية الرحل بأسرهلكبر سن وتقدم تجربة جامعة لنثره فإذا جمعت الراحلة بين هذا وذاك بقوة وأمانة فهيراحلة الرواحل.
وليست راحلة الناس سوى الانسانالجامع بين القوة العقلية والامانة الخلقية يهرع إليه الناس يوم الفزع فيستنبط لهمالحكمة ويهديهم بفصل الخطاب يبث الامل زمن اليأس لا زمن الخصب كما يستأمنه الناسعلى ودائعهم لا فرق بين حاقد فيهم ولا كريم والراحلة من الناس عبر عنه القرآنبالامامة التي طلب إلينا طلبها وأرشدنا إلى أن مادة الامتحان فيها متكونة من الصبرواليقين وتماما كما هو الحال عند الابل فإن الراحلة من الناس منها من يكون راحلةأي إماما يؤدي ما يكلف به بكل قوة وأمانة وصبر ويقين غير آبه بمن حوله سواء قدحواأو قلدوا ومنها من يكون راحلة يفعل ذلك ويزيد عليه قيادة الناس لذلك مدح اللهالصالحين ولكن مدحه للمصلحين أشد .
إنما الراحلة في الناس القيادةوالامامة :الراحلة في الناس من يقودهم في دروب الحياة ويرسم لهم سبل الخلاصويذكرهم بالاصول والمبادئ وليس من يعلمهم التفاصيل والجزئيات في هذا الفن أو ذاكفالراحلة من الناس من تعبأ اكثر من غيره بفقه الحياة وفقه الدين وهما في الحقيقةواحد ثم تحرق قلبه كمدا على حال الناس فسعى مصلحا وشق طريقه وليس مشروطا أن يكونمن الملمين بهذا العلم أو ذاك فهذا النبي الكريم محمد عليه السلام يقود البشريةجمعاء و يعرف طبيعة نخل المدينة فيؤبره على غير علم صحيح فهل شانه ذلك .
ما هي مواصفات رواحلنا اليوم وكيفنصنعهم : مواصفات رواحلنا تنبع من تحديات عصرنا إرتباطا بالاسس الفكرية الكبرىوالثوابت العلمية العظمى التي تؤسس الانسان وتبني به الحياة إذ لكل تدين معاصرلونه الخاص به ولا ضير في تبدل اللون إنما الضير في تبدل العمود الفقري أو الهندسةالجينية . من مواصفات رواحلنا اليوم الدعوة إلى الجماعة لا إلى الفرقة وإلى العلملا إلى الجمود والتقليد وإلى الاعتصام بالثوابت الثابتة والاختلاف فيما دونها لاإلى نبذ تلك وتخصيب هذه وإلى المقاومة والجهاد والاجتهاد في كل حقل بما يناسبه منأسلحة وإلى التحرر والتحرير لسائر الانسان والاوطان وإلى الامل والصبر ومع ذلكيكون هو قدوة وأسوة ومثلا فيما يدعو إليه ولا يضيره في ذلك الخطأ بل والاخطاء وبعدذلك يحوز على ثقة وحب أغلب الناس وليس كلهم طبعا . هل نصنع رواحلنا ؟ الحقيقة أنعملية الصناعة متبادلة بيننا وبينهم فالازمة تلد الهمة كما قال المرحوم عبدهوأزماتنا تجعلنا نصنع رواحلنا ثم تجعل رواحلنا تصنعنا .
كن راحلة أو شبهراحلة أو جزء من راحلة أو عونا لراحلة ولا تكن غير ذلك : لايولد الناس رواحل وحتىالانبياء لا يولدون كذلك فلا تعجز أن تكون راحلة أو دون ذلك بقليل أو بكثير ومنعلامات النهضة تعدد الرواحلفينا وشبه الرواحلوأجزاء منهم ولو تعلقت همة إبن آدم بما وراء العرش لناله كما قيل. ندرة الرواحلفي الناس هل يبعث على اليأس أم على الامل ؟:لابد بداية من التسليم بالحقيقة لا منمنطلق النص الذي هو وحي يوحى فحسب بل كذلك من منطلق التجربة العملية التي يطلععليها كل جيل فالتسليم بالحقائق والمسلمات القطعية اليقينية الثابتة من شأنه بناءالعقل العلمي السليم .ثم لابد لنا من إطلاق كلمة الناس وعدم حصرها في المسلمين رغمأن ندرة الرواحلتبقى هي هي لا تتغير حتى لو خصصناها بهم ولكن الاوفق بقاء العموم على عمومه ما لميرد ما هو أقوى منه فيخصصه .فكل مسلم هو بالنسبة لغيره من غير المسلمين راحلةيتجشم أعباء الحياة بقدر من حسن الفهم والتعاطي والاحسان .ولابد لنا قبل ذلك منمعرفة دور الراحلة في الناس وليس هو سوى القيادة أو الاستقامة الشخصية على الاقلفإذا كان بالمعنى الاول فإن من طبيعة الاشياء أن تكون الرواحلفي الناس أقلية تبعا لتفاوت الناس في طلب الخير وفي إنفاقه ومن ثم الصبر على طلبهوعلى إنفاقه عقدا بعد عقد ومن ذلك تفاوت الفرص المتاحة لهم في ذلك وليس الراحلةسوى إنسان جمع بعض أسباب النبوغ والقيادة ثم أتيحت له فرصة مزاولتها وتحكم الانسانفي الفرص توفيرا نسبي جدا بخلاف توفير عزمه على توليد راحلة من نفسه .وبذا نتبينأن ندرة الرواحلفي الناس على مدى الزمان والمكان سنة إجتماعية بها يصلح أمر الوجود وتقتضيها طبيعةالاختلاف وتوزع الاهتمامات فهي باعث أمل وليست باعث يأس باعتبار أن مائة من الناسوأكثر يكفيهم إمام واحد فما بالك اليوم وقد توزعت العلوم وانقسمت المعارف فأصبحبامكان كل إنسان أن يكون إماما في فن ما ووفق تلك السنة تجد شمسا واحدة وكواكب تعدبالمئات وقمرا واحدا ونجوما تعد بما لا يعلم حده غيره سبحانه وعددا محددا منالانبياء والرسل في عدد لا يحصى من الناس