ظل محمد فرج طوال سنوات دراسته الجامعية في كلية التجارة جامعة القاهرة يحلم بيوم التخرج.. فهذا اليوم كان يعني بالنسبة له انتهاء معاناة أسرته التي طالما كافحت من أجل توفير نفقات دراسته.. وفوق كل ذلك سيتمكن من الحصول على فرصة عمل لمساعدة الأسرة، والانتقال من مرحلة العالة إلى الإعالة. ولكن بعد مرور خمس سنوات على التخرج، لم تنته معاناة أسرة فرج، فالشيء الوحيد الذي تغير أنه بعد أن كان يشد الرحال يوميا إلى الجامعة أصبحت وجهته الأساسية قهوة العاطلين الشهيرة في منطقة وسط القاهرة. حالة فرج لم تكن تسمح له بالتفكير في حلم كل شاب وهو الزواج.. فهذا الحلم كان مرتبطا بفرصة عمل طال انتظارها، ولذلك عندما قرأ في الصحف المصرية الصادرة يوم الأحد 19 يوليو 2009 على لسان د.محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر عن نية الأزهر توجيه أموال الزكاة لمساعدة الشباب على الزواج، تساءل: أيهما أولى الزواج أم فرصة العمل؟ تساؤل فرج من المؤكد أنه دار في أذهان ليس الشباب المصري فحسب، ولكن كل الشباب العربي، الذي يعاني من بطالة وصلت وفق أحدث تقارير منظمة العمل العربية إلى 17 مليون شاب، في حين أن أموال الزكاة التي تقدر بمتوسط 17 مليار جنيه سنويا بمصر، و6.5 مليارات ريال بالسعودية، 540 مليون دينار بالجزائر، وفق الأرقام الصادرة عن المؤسسات المعنية بها، يمكنها أن تسهم في حل المشكلة. الزواج ومشكلات أخرى وبحمل هذا التساؤل إلى الخبراء، أجمعوا على منطقيته، واتفقوا على ضرورة التفكير أولا بفرصة العمل، وأوضح الدكتور محمد نظيف رئيس مركز دراسات الاقتصاد الاجتماعي بجامعة محمد الخامس بالرباط بالمغرب أن فقه الأولويات يحتم التركيز على فرص العمل أولا، وقال: "بتوفيرها تحل ليس فقط مشكلة الزواج، ولكن نقضي على العديد من المشاكل الاجتماعية كارتفاع معدلات الجريمة". ووفقا لتقرير أمني رسمي فإن معدل الجرائم التي ترتكب شهريا في المغرب وصل إلى 28 ألف جريمة، وهو معدل يراه د.نظيف مرتفع جدا، والسبب الرئيس في ذلك هو البطالة. والأسلوب الأمثل لاستثمار أموال الزكاة لتحقيق هذه الأهداف -من وجهة نظرة- هو وجود صندوق للزكاة، يتم توجيه الأموال إليه، لتجميعها في مصدر واحد، يسمح باستغلالها بشكل أفضل لمنح قروض بدون فائدة للشباب لإنجاز مشروعات صغيرة. وكانت فكرة إنشاء صندوق للزكاة قد طرحت بالمغرب عام 1998، في إطار توجه أعلنه الملك الحسن الثاني يقضي بتطبيق الزكاة لتحقيق العدالة الاجتماعية، غير أن المشروع لم ير النور حتى الآن. وفي تصريح لـ"إسلام أون لاين" أكد د. عمر الكتاني رئيس جمعية الدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي أن تطبيق هذه الفكرة يعني توسيع وعاء الزكاة بالمغرب ليصل إلى 2.5 في المائة من الدخل الوطني، بما يسمح بإخضاع هذه الأموال للإنتاج، للمساهمة في تشغيل 20% من الفقراء. وأشاد د.نظيف في هذا الإطار بتجربة صندوق الزكاة في الجزائر التي استحدثت نشاط القروض الحسنة الموجهة لتدعيم استثمارات الشباب. تجربة رائدة ولكن.. وتناولت عديد من الدراسات التجربة الجزائرية في هذا المجال، منها الدراسة التي أعدها د. نبيل مسدور خبير الزكاة والأوقاف بالبنك العالمي الإسلامي ونقلتها صحيفة "الفجر" الجزائرية في عددها الصادر يوم 1 أبريل 2009. وأكدت الدراسة أن تجربة صندوق الزكاة بالجزائر "فريدة من نوعها في العالم الإسلامي"، خاصة في ظل استحداثه للقروض الحسنة الموجهة للمشروعات الصغيرة. إلا أن هذا الصندوق -وفق ما أشارت الدراسة- لا تزال تعترضه بعض النقائص، منها تحصيله لهذه الأموال في مناسبات الزكاة دون باقي أيام السنة، بالإضافة إلى ضعف المتابعة الميدانية للقروض الحسنة الموجهة لفئة الشباب؛ بالإضافة إلى متابعة استرجاعها، حيث ما زال الصندوق لم يصل إلى صيغة مناسبة لاسترجاع القروض التي قدمها في السنوات الأخيرة. ولتحسين تحصيل موارد الزكاة بالجزائر واستعمالها في مكافحة الفقر ومختلف البرامج الاقتصادية والتنموية ذات المنفعة العامة، اقترحت الدراسة مشروع الديوان الوطني للزكاة، وهو هيئة إدارية تضم العديد من فروع الزكاة المعروفة منها زكاة الكفارات وزكاة الفطر،... إلخ، تحت إشراف اللجنة الوطنية للزكاة. وقالت الدراسة إن هذا الديوان يضمن أداء أفضل في تحصيل أموال الزكاة؛ حيث لا تحصل الجزائر سوى على واحد بالمائة من أموال الزكاة الواجب دفعها؛ لأن صندوق الزكاة لا ينشط سوى في مواسم الجمع فقط دون باقي أيام السنة، بينما تقدّر القيمة الحقيقية لأموال الزكاة لو نشط طوال العام بـ 60.5 مليار دينار جزائري. التعامل مع المصارف أفقيا ومن دراسة د.نبيل مسدور تنطلق د.نعمت مشهور أستاذة الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر إلى تأكيد أن استئثار القروض الحسنة المقدمة للشباب بالنصيب الأكبر من حصيلة الزكاة غير مطلوب، كما أن توجيه معظمها لحل مشكلة الزواج غير مطلوب أيضا، مشيرة إلى أن توجيه أموال الزكاة لا بد أن يتوجه لكل المصارف بشكل أفقي متساوٍ، فيوجه جانبا منها إلى الزواج، وجانبا آخر إلى القروض الحسنة، بالإضافة لباقي المجالات الشرعية. وانطلاقًا من ذلك ترفض د.نعمت فكرة التعامل الرأسي الذي يقضي بعلاج المشكلة الأهم ثم المهم، كالتعامل مع البطالة أولا، ثم النظر إلى مشكلة الزواج، ولكنها في نفس الوقت تشدد على أن توجيه أموال الزكاة للزواج لا بد أن يتم بضوابط، وتنصح في هذا الإطار بتوجيهها لمساعدة فتاة يتيمة لا تقدر على شراء متطلبات الزواج، أو شاب لديه دخل ثابت ولكن زواجه توقف على بعض المتطلبات الضرورية، مؤكدة أنه من الخطورة توجيهها لشباب عاطل مقبل على الزواج؛ لأن معنى ذلك المساعدة في بناء أسرة ليس لديها أسباب النجاح، وهو ما يؤدي لزيادة عدد الفقراء. كلام د.نعمت وإن كان لا يحمل انتقادًا لتوجيه أموال الزكاة للمساعدة في الزواج، إلا أنه في نفس الوقت يلفت الانتباه إلى ضرورة التعامل مع مشكلة البطالة -أيضا- جنبا إلى جنب، وهذا ما يسهم في علاج مشكلة فرج وأقرانه من العاطلين. منقول ولكن اللهم ما اجعل يدنا يدا عاليا وليس يد سفلا.......وارزق جميع المسلمين الرزق والحلال الطيب |