المواهب والقدرات مع القوة والمهارات إضافة إلي الذكاء والخبرات أمور لا غنى عنها في
حياة كل منا. وهي أمور لا غنى عنها لكل من يبحث عن التميز أو التفوق أو الكسب في
دنيا الناس . ولكن : هل مواهبنا وقدراتنا ومهاراتنا وحدها تكفينا لكي نتميز أو نفوز أو
نحقق ربحا كبيرا أو فوزا عريضا ؟
ولا شك أن هذه المواهب وهذه القدرات المميزة لكل منا , ما هي إلا نعم أنعم الله بها
علينا . وكل من أراد منا التميز أو التفوق في هذه الحياة فعليه الاهتمام البالغ بهذه المنح
الربانية . كما ويجب علينا التحديث الدائم لهذه المواهب وهذه القدرات . بل وعليه أن
يسعى إلي تطويرها وتنميتها وتجديدها من حين لحين . فهي لا غنى عنها لكل من يسير
في معترك هذه الحياة التي أصبحت لا تعترف بخامل أو كسول, ولا بمصر على السير سير
الهوينى أو السير على أنغام المارشات الجنائزية .
إن الإنسان الايجابي في هذه الحياة هو ذلك الذي يملك موهبة أو مهارة أو حتى سمعة
حسنة يشتهر بها في دنيا الناس . هو من يفعل هذه المواهب والقدرات في المحيط الذي
يعيش فيه . ينفع بها ويصلح فيه . هو الذي له دور في هذه الحياة . وهو الذي يشارك في
صنع الإحداث من حوله . هو من لا يكتفي بالوقوف متفرجا على هذه الأحداث وهي تمر
أمامه . ولا بد من أن يعمل كل منا و يسعي ويجد- بل ويكد - في تطوير مواهبه وقدراته
وإتقانها إلي الحد الذي تجعله يتخطى حدود الدائرة التي يعيش فيها . ليعمل مع العاملين
على تغيير وجه التاريخ . فكما يقول الفيلسوف الفرنسي المشهور جان جاك روسو :
نحن في حاجة إلى المزيد من فئة صانعي الأحداث
لأنهم وحدهم دون غيرهم الذين يستطيعون إن يغيروا وجه التاريخ .
وكل من أراد أن يكون من هذه الفئة لابد أن يكون من أصحاب المواهب والقدرات
والمهارات المتميزة .
وعند النزول إلى معترك الحياة والعمل يجب ألا نعتمد على مواهبنا ولا على قدراتنا
اعتمادا كليا .كما و يجب ألا نركن إليها مهما تعاظمت أو تكاملت . بل يجب علينا أن نتعلم
كيف نمزج هذه القدرات وهذه المواهب بمعية الله الواهب . يجب علي كل باحث عن التميز
أن يتقن فن استجلاب معية الله له في كل أعماله . يجب على كل من أراد الكسب أو السبق
أو الفوز أو النصر أن يتعلم كيف يستجلب تلك المعية الإلهية له في كل أعماله صغرت تلك
الإعمال أو كبرت . فلا حول ولا طول ولا نصر ولا كسب ولا نجاح ولا فلاح إلا بالله العلي
العظيم .
وكان هذا هو هدي رسولنا صلي الله عليه وسلم وديدنه في الأمور كلها . فكان صلي الله
عليه وسلم يتقن هذا الآمر أيما إتقان . فكان إذا ما انتهي من مرحلة استغلال الإمكانات
المتاحة أمامه و المواهب والقدرات المتوافرة تحت يديه , حتى يبدأ في مرحلة استجلاب
معية الله .
ففي يوم بدر بذل المصطفى صلي الله عليه وسلم الوسع في الإعداد : فصف الجيش ,
وعبأ الجند ,ورسم الخطط ,و افترض الافتراضات , واحتمل الاحتمالات, حاور, وتشاور
وغير وبدل . وما أن انتهى من الاستفادة من كل هذه الإمكانات والقدرات المتاحة حتى
انتحى صلي الله عليه وسلم يناجي ربه في دعاء عميق , ومناجاة حارة , وإلحاح شديد يستجلب بها معية الله . ابتهل صلي الله عليه وسلم " وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه , فرده عليه الصديق – رضي الله عنه - وقال : حسبك يا رسول الله , ألححت على ربك" . يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك . ولكن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان خير من يعلم انه إذا ما امتزجت معية الله القادر بمواهب العباد وقدراتهم – مهما كانت محدودة - فحتما سينتج عن ذلك مخرجات تفوق قدراتهم على استيعاب أثارها الايجابية اللامحدودة .
وقد كان جاء مدد السماء بطريقة فاقت عقول أهل الأرض وامتزج المدد الروحي بالمدد المادي . وجاء النصر وتحقق الفوز لفئة لم تتكل على قدراتها ولا على مواهبها دون الاتكال على الله . ولم تتكل على الله دون الاستفادة القصوى من قدراتها ومواهبها وخبراتها .( أراد الله للعصبة المسلمة أن تصبح أمة ; وأن تصبح دولة ; وأن يصبح لها قوة وسلطان 000 وأراد لها أن تعلم أن النصر ليس بالعدد وليس بالعدة وليس بالمال والخيل والزاد إنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله التي لا تقف لها قوة العباد.) كما يقول صاحب الظلال .
إن مرحلة استجلاب معية الله هي الحلقة الأضعف في حياتنا . فكثيرا ما تنسينا القدرات والخبرات والمواهب الخاصة مرحلة استجلاب معية الله . كثيرا ما نعتمد على مواهبنا وننسي الواهب . كثيرا ما نعتمد على قدراتنا وننسى القادر . كثيرا ما نعتمد على قوتنا وننسى القوي . وهنا نخسر الكثير . ففي يوم حنين بذل المسلمون الجهد في إعداد المدد المادي الهائل : العتاد , العدد ,العدة , الكثرة في عدد الجند حتى اكتمل الهيكل العام للجيش على صورته المبهرة . حتى دخل العجب لقلوب البعض فقالوا : "لن نهزم اليوم من قلة " . أنستهم القوة والعدة مرحلة استجلاب معية الله. أنساهم العدد والعتاد الاتكال علي الله . أنستهم قدراتهم البشرية استجلاب معية الله والاتكال عليه وحده لا على تلك الأسباب . لقد أتقن المسلمون يوم حنين مرحلة الإعداد ولم يتقنوا مرحلة الاستجلاب فكانت الانكسارة . كانت الانكسارة التي كان لابد منها لتعي الأمة أن مرحلة استجلاب معية الله من المراحل التي لا غنى عنها في حياة الأمم والإفراد والجماعات . كما وأنها سند كل إنسان في هذا الوجود مهما كانت قدراته ومواهبه .
و رسولنا صلي الله عليه وسلم وهو صاحب المواهب والقدرات التي لا تحصى ولا تعد إضافة إلى كونه المؤيد بالمعجزات , والمزود بالكاملات, والمحلى بالمدد الرباني كان دائما ما يردد : " اللهم لا تكلني إلي نفسي طرفة عين ولا ادني من ذلك " . فالخذلان أن يكلك الله إلي نفسك ويخلي بينك وبينها . والتوفيق ألا يكلك الله إلي نفسك ولا يخلي بينك وبينها . كما يقول ابن القيم رحمه الله .
وإذا كانت مرحلة استجلاب معية الله هي الحلقة الأضعف في حياتنا كما قلنا . فيجب على علماء الأمة ودعاتها وأهل الخير فيها أن يسعوا جميعا - كل في مجاله - إلي معالجة هذا الداء وتضميده وترميمه عند أبناء المسلمين . وليبذل كل غيور من أبناء هذه الأمة الجهد إلى أن تبصير الأمة بكيفية إتقان فن استجلاب معية الله حتي لا نندم . حتي لا نندم على أمر عظيم كندم يوم حنين . ولا على أمر صغير كندم جحا الذي قرر ذات يوم شراء حمار. واخذ يخبر كل من يقابله عن نيته في الذهاب إلي السوق غدا في الصباح الباكر لشراء حمار . فنصحه احدهم: بان يا جحا قل إن شاء الله . قل إن شاء الله غدا سأشتري حمارا . فرد عليه جحا بثقة الواثق من قدراته والمعتمد على مواهبه : ولماذا أقول إن شاء الله ؟! دنانيري في جيبي وما أكثر الحمير في الأسواق . وفي اليوم التالي ذهب جحا وعاد من السوق مطأطئ الرأس , خالي الوفاض بدون حمار. فسألوه : أين حمارك يا جحا ؟ فقال : إن شاء الله سرقت كل دنانيري .
تقبلوا تحياتي......ان شاء الله اكون استوفيت | :09: