حديث الحوار والمصالحة: (3/3) المقاومة تحتاج المصالحة!
___________________________________________
حديث الحوار المصالحة:(3/3) المقاومة تحتاج المصالحة!
"حديث الحوار والمصالحة" ووفدا "حماس" و"فتح" يتجهان للقاهرة، حيث تجنح تقديرات المراقبين نحو توقع الفشل لهذه الجولة الصعبة والشاقة على حد وصف الأطراف المعنية والتي تحمل فيها "حماس" أفكاراً جديدة لعرضها على "الوسيط" المصري، ومع ذلك فإن حلقتنا كسابقتيها لن تناقش التوقعات المختلفة من هذه الجولة ومآلات فشل الحوار أو نجاحه، وإنما سنتناول حاجة حماس للحوار وما قدمته في سبيل إنجاح هذا الحوار، بعد أن عرضنا في الحلقتين السابقتين –من وجهة نظرنا- الأسباب التي ينبغي أن تدفع فتح لإنجاح الحوار وعجزها في المقابل عن اتخاذ هذا القرار.
الحوار جسر قصير ومتآكلبات من نافلة القول الإشارة إلى عمق الهوة بين حماس وفتح في المبادئ والسياسة إضافة لما تركته الأحداث المتعاقبة منذ فوز حماس في الانتخابات من هوة شعورية بين أبناء الوطن الواحد غير الوقائع التي خلقت في كل من الضفة والقطاع من بعد الحسم حيث يعسر تجاوزها وإعادة تشكيلها من جديد برؤية توافقية خاصة مع احتفاظ كل من الطرفين بمخاوفه من نوايا الطرف الآخر، وهو ما يكشف عنه بجلاء إصرار فتح على تغيير الواقع في القطاع دون الضفة مما يعني أن المطلوب تهيئة الظروف في القطاع لتصفية حماس فيها من بعد توفر تلك الظروف في الضفة كما هو واقع الحال الآن، بينما تطرح حماس رؤية توافقية تقضي بتغيير الوقائع بتزامن معقول في كل من الضفة والقطاع يما يعيد اللحمة ويحافظ على مكتسبات الحركة ويحميها وبندقيتها المقاومة من نوايا فتح.
لماذا تتناقض النوايا؟اختلاف حرص كل من الطرفين على إنجاز المصالحة يرجع إلى اختلاف مشروعيهم السياسي، فمشروع فتح منذ أوسلو يقوم أصلاً على قمع المقاومة تنفيذاً للاستحقاقات الأمنية المترتبة على هذا الاتفاق وما تلاه من الاتفاقات والرؤى الدولية السياسية كخارطة الطريق ومن ثم –كما تطور الأمر- قياماً بواجب وحفاظاً على مصالح خاصة، وهو ما فعلته فتح منذ دخول السلطة أراضي الوطن في العام 94 من القرن الماضي؛ إذ لم يتغير هذا السلوك إلا قهراً في انتفاضة الأقصى بل وبعد اختطاف الصهاينة للمقاومين من مقر الأمن الوقائي في بلدة بيتونيا برام الله، بينما يقوم مشروع حماس على توفير الظروف المناسبة للحفاظ على الثوابت وحماية المقاومة وبناء الأرضية الشعبية والعملياتية اللازمة لها وهو ما يستدعي توافقاً على الأقل يحمي المقاومة في عمقها الحقيقي في الضفة الغربية من أذى القريب، حتى وإن لم يسمح هذا التوافق بانطلاق المقاومة، فليس أقل من كف الأذى عن بنيتها التحتية ومحاضنها التنظيمية.
مسار حماس الآخر!وطالما أن النوايا من الحوار بهذا القدر من التباين والافتراق بين طرف يبحث فيه عما يكمل له مهمة التصفية لحماس في القطاع من بعد أن بدأ بها في الضفة، وطرف يبحث عن توافق يوفر ظروف التعافي للمقاومة في الضفة ويعيد بناء اللحمة الاجتماعية التي تضررت كثيراً خلال السنوات الماضية ويحسّن من صورة شعبنا وقضيته في العالم ويقطع الطريق على مشروع دايتون بتحويل الكيان الفلسطيني إلى مجرد شركة أمنية تحمي المحتل وتسد رمق الشعب بالراتب المشروط، فإنه لا بد من البحث عن بدائل لتحقيق رؤية ومشروع المقاومة .
البديل الوحيد عن الحوار بناء تنظيم حديدي في الضفة لا يقوم على الحالة المكشوفة وما تراكم من أخطاء تنظيمية خلال السنوات الطويلة الماضية يتكفل بإطلاق المقاومة في الضفة من جديد بما يفرض شروط المقاومة على العدو ووكيله الأمني وحلفاء العدو في الإقليم والعالم في وقت لاحق؛ وهو ما يحتاج جهد الحركة كلها خاصة قيادة الخارج، وألا تركن الحركة فقط إلى جهد المستنزفين والملاحقين في الضفة.
وهذه المهمة مع واجب العمل الجاد والشاق في سبيلها فإنها عسيرة، معلومة العسر لكل من عايش المرحلة وجرب العمل التنظيمي، واستحضر التاريخ حيث لا تحتمل طاقة الحركة مواجهة عدوين في آن واحد، وكلنا يمكننا استدعاء فترة أواسط التسعينات وما حصل للحركة فيها سواء في الضفة أوالقطاع وإن كان حال الحركة في القطاع في تلك المرحلة أشد سوء من الضفة.
المقاومة تحتاج المصالحة!فبديل الحوار صعب، وأي تصور لإطلاق المقاومة في الضفة سريعاً هو محض خيال حالم، كما أن إنجاز المصالحة في حدود دنيا ترفع الأذى عن المقاومة وحواضنها التنظيمية صعب كذلك، وهو ما يوجب العمل في المسارين معاً، وتقديم المقاربات اللازمة لإنجاح الحوار، إذ أن حاجة المقاومة للمصالحة أكثر من فتح التي ترى أن الواقع الصحي لرؤيتها ومشروعها ومصالحها قمع حماس أصلاً الشيء الذي مارسته طويلاً منذ العام 94م ولم يتوقف إلا قهراً في العام 2002م، واستأنفته من جديد في العام 2006م، مع بقاء أشكال قمع أخرى في الفترة الواقعة بين 2002 و 2004 من قبيل حرمان أبناء حماس من التوظيف وفقاً لقانون السلامة الأمنية واستمرار التجسس عليهم وغير ذلك من أشكال الأذى.
أسباب أخرى تدفع للمصالحةإضافة لهذه الحاجة فإنه لا بد من إدراك تعقيد معطيات الواقع واستحقاقات الفوز في الانتخابات وتشكيل الحكومة والحسم العسكري، فإذا كان مطلوباً من فتح إدراك متغيرات الواقع واستيعابها كدافع مصلحي لها لإنجاز المصالحة كما نصحناها في الحلقتين الماضيتين؛ فهذا ما فعلته حماس بالضبط منذ فوزها في الانتخابات واضطرارها لتقديم مقاربات سياسية -كما حصل في اتفاق مكة- ما كان لها أن تقدم عليها لولا استيعابها لتعقيدات الواقع الجديد الذي دخلته، وهو ما يمكن قوله عن استحقاقات ما بعد الحسم سواء في الضفة أو القطاع، فبقدر ما كان لهذا الفوز الكاسح في الانتخابات والحسم العسكري في القطاع من مكاسب سياسية ضخمة للقضية الوطنية بالدرجة الأولى بقدر ما كان لهما من تداعيات قاسية على القضية أيضاً وعلى الحركة ومشروعها وأبنائها، ففي عالم السياسة لا يصح أن ننحاز إلى قطع في الألوان ما بين الأسود والأبيض والذهاب بعيداً في واحد من الاتجاهين، بل لا بد من استيعاب المنطقة الرمادية ما بين الاتجاهين، ولذلك فإن حماس تحمل مقترحات جديدة من طرفها في الجولة الأخيرة؛ علماً بأن هذا العرض لا يعني أبداً الموافقة على أية مقاربات من شانها مس الثوابت، فضلاً عن عدم ارتياحي الشخصي لبعض ما قدم من مقاربات خلال السنوات الثلاث الماضية الجأ إليها الواقع المر.
الضفة أولاً وآخراًيمكننا القول ختاماً، أن حماس فعلت أكثر من المطلوب منها لإنجاح الحوار، ولا ينبغي أن يكون هذا الأمر محل جدل طالما أنها أثبتت ذلك عملياً، إضافة لنواياها المتعلقة بهذا الحوار والتي هي نوايا تَجمَع على مصالح وطنية خالصة، بخلاف فتح التي تحاول استخدام الحوار لتوسيع دائرة القمع والتصفية لحماس، فأما إن فشل الحوار فليس أمام حماس بعد ذلك إلا إفراغ طاقتها في تدبر أمر الضفة التي تشكل مستقبل المقاومة وجوهر الصراع مع العدو في أبعاده المختلفة، مشدداً مرة أخرى أن هذه المهمة لا تترك لأهل الضفة وحدهم، هذا إضافة لما ينبغي قوله عن فك الحصار وإعادة الإعمار في القطاع وهو ما لا يتسع له المقام الآن.